د. أحمد الفراج
خلال التاريخ السياسي لأمريكا، كانت هناك خصومات شرسة، سارت بذكرها الركبان، ولعل من أشهرها عداوة السياسي والمفكر الشهير، والرئيس لاحقًا، توماس جيفرسون (1801- 1809)، مع وزير الخزانة، اليكساندر هاملتون، وكلاهما رمز سياسي كبير، فقد كان جيفرسون يؤيد تقليل سيطرة الحكومة المركزية، فيما كان خصمه هاملتون لا يرى ذلك، ومع أن هذا الخلاف لم يجلب معه عداوة شخصية، إلا أن الخلاف السياسي، بين هاملتون ونائب الرئيس حينها، ايرون بير، تطور إلى عداوة شخصية، غير قابلة للإصلاح، وهذا يهون، عند الخلاف الذي حدث بين اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ، في عام 1856، فقد وجه السيناتور، تشارلز سمنر، إهانات لفظية قاسية لزميله السيناتور، اندرو بتلر، أثناء نقاش المجلس لمسألة الرق، فقد كان بتلر، الذي كان يمثل ولاية جنوب كارولينا العنصرية، يؤيد الرق، بينما كان سمنر، يعارض ذلك وبقوة، فماذا حدث؟!
في خضم الخصومة بين الرجلين، شعر أحد أقارب السيناتور بتلر أنها قد تمت إهانة قريبه، فما كان منه إلا أن هجم على السيناتور سمنر بعصا، وضربه ضربًا مبرحًا، وكان الضرب عنيفًا، لدرجة أن السيناتور المضروب غاب عن حضور جلسات مجلس الشيوخ لمدة ثلاث سنوات!، ثم نعرج على أشهر خلاف، بين أبراهام لينكولن، الذي أصبح لاحقًا رئيسًا لأمريكا، بل وأفضل رؤسائها (1860- 1865)، وبين خصمه في ولاية الينويز، ستيفن دوقلاس، وهو خلاف دارت حوله مناظرات، ما زالت تُدرَّس في كليات العلوم السياسية، إذ كان لينكولن يقف ضد العبودية، بينما كان دوقلاس يؤيدها، وأعترف بأنني أعود بين الحين والآخر لتلك المناظرات، التي تميزت بلغتها الراقية، وأسلوبها الجميل، رغم حدّتها، كما أن ما ورد فيها من تبريرات لوجهات النظر، يقول كل شيء عن موهبة الرجلين الفكرية والسياسية والخطابية.
وبعد اغتيال الرئيس ابراهام لينكولن، في عام 1865، بعد أن انتصر في الحرب الأهلية، وتم على أثر ذلك الانتصار تحرير السود من العبودية، خلفه نائبه، اندرو جانسون، الذي لم يستمر في خط لينكولن الصارم ضد ولايات الجنوب الثائرة، إذ إنه خضع لمطالب الولايات الجنوبية، وتغاضى عن اضطهادهم للسود، فثار عليه زملائه الجمهوريين من أنصار لينكولن، ودارت بين الطرفين معارك شرسة، نتج عنها استصدار تشريعات، تمنح السود بعض الحقوق، وتحد من صلاحيات الرئيس، حفاظا على إرث لينكولن، الذي مات من أجله، وهو تحرير السود مهما كان الثمن، ولكن جانسون استمر في عناده، على غرار ما يفعل الرئيس ترمب مع الكونجرس حاليا، فما كان من مجلس النواب إلا أن صوت على عزله، كأول رئيس يعزل في تاريخ أمريكا. هذا، ولكنه نجا من العزل في مجلس الشيوخ في نهاية المطاف، وسيتواصل الحديث!