أنس عبدالرازق
في ذروة التسارع الذي نشهده في كل القطاعات والتسابق السريع للوصول إلى خطط التنمية المنشودة في المملكة العربية السعودية، ظهر جلياً للعيان التفاوت الكبير في سرعة التغيير في قطاعات بينما قطاعات أخرى نشاهد ثقلا أو بطئا في التغيير بها، لكن المُشَاهد أن البرامج أو الأجهزة ذات القوة والبنية التنظيمية الأقوى هي من تقبل الانطلاق والتغيير والتطوير أسرع من غيرها ذات التنظيمات الإدارية الأقل قوة أو ينقصها التحديث الدائم والمستمر، وذلك لتأثيرات إدارية كثيرة داخل بيئة الكيان الإداري بالإضافة إلى تأثيرات مرتبطة بثقافة مجتمعية تجعلنا نقر ونؤمن بصعوبة التغيير في المنظمات، إذ إن تأسيس البنى التحتية في البلديات أو المخططات والتي يعتمد فيها المهندسون على بُعد النظر وتأسيس بيئة تنظيمية تستوعب كل جديد في مجالات التنمية تتيح لهذا الكيان الانطلاق إلى عوالم أوسع وأسرع في كل مجالات التنمية، ويجدر هنا أن أتذكر مقولة للدكتور الإداري الأديب غازي القصيبي - رحمه الله رحمة واسعة - عندما قال : (إن بعض الإداريين يخطئون خطأ بيِّنا عندما يبدؤون التخطيط بجهاز لم يستكمل مقوماته التنظيمية) - من كتاب حياة في الإدارة -، هذه النظرة الثاقبة والمستخلصة من خبرة تفوق النصف قرن بين الوزارات والكيانات الإدارية المختلفة تؤكد على أهمية استكمال المقومات التنظيمية لأي كيان إداري قبل الاستثمار فيه وتطويره والارتقاء بآلياته، وينطبق ذلك في كل المجالات الإعلامية أو التعليمية أو الصناعية، يستلزم على من يريد التطوير وضوح الصورة الإدارية لديه ولدى جميع أعضاء الكيان، وأن تكون هذه الصورة الإدارية تنسجم مع كل عمليات التطوير الإداري أو المادي أو الفني لجعل هذه الكيان وليداً لكل قفزات التطوير وحاضناً لها ومستوعباً كل ما يسعها من إمكانيات، ويمر التغيير في المنظمات بثماني مراحل أساسية تختلف طبيعة ونوعية التعامل مع كل مرحلة حسب سمات المنظمة التي يقام فيها التغيير وتفاصيلها، تبدأ من إشعار العاملين بالمنظمة بضرورة الحاجة للتغير من خلال طرح واضح لحال المنظمة الآن وما هو مفترض أن تكون عليه، وعند هذه المقارنة سيتولد شعور عند العاملين بأهمية الحاجة للمنافسة والتقدم والتغيير من أجل البقاء، ومن هنا ينشأ الشعور بالتغيير، ثم بعدها تنتقل المنظمة للمرحلة الثانية وهي صناعة فريق التغيير وهناك أربع صفات أساسيا لابد أن يتحلى بها أفراد فريق التغييرمكن اختصارها بالشغف والالتزام والروح الإيجابية والابتكار، ثم المرحلة الثالثة والتي تعتمد على إطلاق رؤيتك كقائد مغير وأن تجعل فريق التغيير يؤمن بهذه الرؤية ويتمسك بها، والمرحلة الرابعة تتلخص في كسب انتماء الموظفين الباقين لهذه الرؤية وان ينسجم الموظفون مع ما يرغب فريق التغيير في إنجازه وعند الوصول إلى هذه المرحلة ستجد أن هناك مبادرات فردية بدأت بالظهور من الموظفين، التزم بدعم كل المبادرات الفردية التي تخدم رؤيتك في التغيير والتي تدفع للوصول إلى تحقيقها، ثم انتقل سريعا إلى المرحلة السادسة وهي الاحتفال بالإنجازات ولو كانت صغيرة أو سريعة، فالاحتفال بالإنجازات يولد شعورا بسهولة الوصول لباقي الرؤية وتحقيق كل أهدافها، ثم تأتي مرحلة البرود أو مرحلة الاستسلام، إذ سيولد هذا التغيير في المنظمة موجة من الممانعة من قبل الرافضين لآليات التغيير، حاول ألا تستسلم أبدا ولا تتنازل عن أي من أهداف رؤيتك، بل أصر على المرحلتين الخامسة والسادسة من دعم المبادرات الفردية والاحتفال بالإنجازات الصغيرة والسريعة حتى تصل إلى المرحلة الثامنة والمتمثلة في أن تجعل هذا التغيير هو الوضع الطبيعي لمؤسستك ومنظمتك، وتكون منظمتك بشكلها الحالي هي أصل العمل الذي تعمل عليه، وبهذه المراحل الثماني يكون التعديل مرنا وقابلا للقياس وللتقويم.
أما الاستناد إلى قوة التغيير ومتانته دون وجود مقومات تنظيمية لما تريد من تطوير، فهو كمن يحاول جاهداً تغطية الشمس بغربال، لأن القمر أيضاً قد يسعى أحدهم لتغطيته !!