محمد سليمان العنقري
تشهد مراحل نمو الاقتصاد توليد فرص عمل، وتتزايد أعدادها كلما زاد الرواج الاقتصادي، وإقبال المستثمرين على تأسيس أو توسيع مشاريعهم. وعند بداية الدورة المعاكسة للنمو «الركود» يبدأ التفكير بتقليص الوظائف نظرًا لتراجع حجم الأعمال، وانعدام الحاجة لكل الأعداد التي تم توظيفها سابقًا. وهناك حالات لتقليص عدد العمالة، تتم بالاعتماد على التقنية الحديثة، إلا أن هذا العامل يأتي بعد وقت طويل من بدء التشغيل، ولا يكون سنويًّا في الغالب؛ لأن التطور التقني يأخذ وقتًا حتى يتم تجربته، وأيضًا نقله وتوفير تكاليفه.
لكن ما يصاحب مرحلة الركود من هيكلة بالكادر الوظيفي للمنشآت يفتح معه الباب للتفكير باستراتيجية الموارد البشرية، والاحتياج الفعلي للعاملين بالمنشأة. وفي مراحل هذه الهيكلة تظهر الكثير من المعطيات حول وظائف بالأصل هي لا جدوى منها، ويمكن دمج أعمالها مع وظائف أخرى، بل عند قياس إنتاجية العمالة بالساعة على الوضع الذي صاحب النمو سيكشف أنها منخفضة فعليًّا، وأن زيادة الأعداد لم تكن إلا عبئًا؛ ولذلك لا بد من استمرار قياس كل منشأة لإنتاجية عمالها، ودراسة كل وظيفة، ومدى ارتباطها بوظائف أخرى، يمكن دمج مهامها معها.. ففي الدول الغربية أظهرت الكثير من الدراسات حتى وقتنا الحالي أن ما لا يقل عن 30 % من الوظائف بقطاع الأعمال ليست مجدية؛ ويمكن الاستغناء عنها، وخصوصًا مع التقدم التكنولوجي بعصرنا. أما الإنتاجية فلم تحقق أي دولة عدد ساعات العمل فيها مرتفع إنتاجية أعلى من تلك التي تنخفض فيها ساعات العمل عن 40 ساعة أسبوعيًّا.
ففي أمريكا تبلغ إنتاجية العامل 68 دولارًا في الساعة رغم أنه يعمل 33 ساعة أسبوعيًّا. أما في المكسيك فتصل الإنتاجية إلى 20 دولارًا في الساعة رغم أن العامل يحقق 41 ساعة عمل أسبوعيًّا. أما في اقتصادنا المحلي فعدد الساعات يصل إلى 45 ساعة أسبوعيًّا لكن الإنتاجية تبلغ نحو 17 دولارًا في الساعة للعام 2018، وهي حصيلة الناتج الإجمالي «غير النفطي» المقدر بنحو 1.7 تريليون ريال مقسمة على 13.3 مليون عامل مواطن ووافد، هم حجم القوى العاملة بالمملكة، وهو ما يشير إلى أن ارتفاع ساعات العمل وزيادة الأعداد التي تصل إلى 40 % من السكان لم تحقق ولو رقمًا قريبًا من إنتاجية العاملين بأمريكا البالغ عددهم 154 مليون، يشكلون 47 % من السكان؛ فإنتاجية العامل الأمريكي تعادل أربعة أضعاف العامل في المملكة.
الأرقام التي تُظهر حجم الفجوة مع غالبية دول العالم بحجم إنتاجيتنا، ونوعية وعدد الوظائف، تسترعي القيام بدراسات أعمق حول واقع رأس المال البشري، ومدى فاعليته برفع تنافسية الاقتصاد الوطني عالميًّا.. وتتطلب أيضًا من قطاع الأعمال الاستفادة من كوننا ببداية دورة نمو اقتصادي جديدة، تتزامن مع تنفيذ برامج رؤية 2030 بالاستفادة من هذه المرحلة، والقيام بهيكلة للوظائف لديه، والتركيز على الأيدي العاملة الوطنية من خلال دمج أعمال الوظائف الملغاة مع ما هم بحاجة له، وتحسين حوافز ما ينتج من الهيكلة من وظائف جديدة ذات متطلبات تأهيلية أعلى ودخل أفضل للتخلص من أي وظائف عديمة الجدوى لرفع حجم الإنتاجية، وزيادة التنافسية.