مها محمد الشريف
يحيط بالمجتمعات الخليجية مجموعة من الثقافات المختلفة لأهمية الموقع الإستراتيجي كونه أرضًا خصبة للاستثمار، فمنذ القدم ظلت الرغبة الأجنبية غارقة في هاجس السيطرة على الأفكار والسلوك والأعمال، ويظل الغزو الثقافي يحاصر العرب ويهدد مستقبلهم، والكل ينطلق من قاعدته للاستحواذ على السوق الخليجية بما فيها الثقافة، ما جعل الاهتمام بالشأن الثقافي والإعلامي والاجتماعي أهمية كبرى لدى الدول، للتأثير على العقل العربي بأدوات من دولة مسلمة علمانية بمواد صادمة لها تأثير مخالف لعاداتنا وقيمنا روجت من خلالها للسياحة.
وإلى جانب هذا كله، نجحت المسلسلات المدبلجة بالترويج لتركيا وحققت القوة الناعمة أهدافها، فالتأثير في مركز العاطفة سيطرة على ذهن المجموعة، وتفعل الشيء نفسه فيما يتعلق بتفكيرهم، إننا أمام أمور لا تُدرك بالحس فقط بل يمكن الوصول إليها بالعقل، وفي أكثر من موضع وبحث ودراسة أثر الإعلام في الحياة النفسية والسلوك، ودوره في تحوير الدوافع ومردودها الانفعالي على الحياة الاجتماعية.
وما يثير الرعب حقًّا هي تلك الأسباب نفسها استحواذ على اهتمام المشاهد العربي، الذي يستشيط غضبًا عند مشاهدة سيناريوهات من الجرائم والقتل والتجاوزات والإيحاءات غير المشروعة، تثير القلق والضيق للمتلقي بصفته مسؤول عن مجتمع وعن أسرة، وهي تعبير حقيقي ودقيق عن أزمة القيم التي ورثتها تلك المجتمعات من تاريخ الاستعمار، وتصدرها للفرد على هيئة معلومات وأفكار وعادات ومشكلات معقدة ومروعة تستهلك تفكيره وعاطفته يصعب بعدها التكييف مع حياته الطبيعية وتناهض فطرته.
ويرى عابد الجابري في دراساته الفكرية والفلسفية بأن التراث العربي الإسلامي يتمظهر بشكل جلي في العقيدة، والشريعة واللغة والأدب والفلسفة، وكثير حولنا يحضر إلى مساحة أفكارنا، ويخطط ليعيد صياغتها وتبقى رهن تشكيل واقعها حسب ثقافة الغير، وتحريك الأشياء وفق ثقافتهم، ولا أشك أننا قد نواجه أسئلة نعجز عن الإجابة عنها، وبذلك يدان من يتحكم بالنزعة الإنسانية ويسخرها إلى ثقافة متوحشة وخصوصاً في خضم الأحداث المتفرقة التي تتسم بالقسوة والانعتاق من الواقع.
وسعياً إلى مواجهة آثار هذه الثقافة الدخيلة علينا كعرب رسالة لا بد من تأديتها يكون لها نفس الغزو الثقافي، وموقف جاد لا يسمح للثقافات الدخيلة أن تسرق وهج ثقافتنا، والعمل من أجل إعلام محلي يصعد إلى المنصات الإقليمية والعالمية، من داخل منظومة حضارتنا والإنتاج الفكري والقيم الروحية التي تتميز بها شعوب المنطقة، تترجم السلام الذاتي والاستقرار الأسري الذي يعد هدفًا وغاية مهما اختلفت الوسائل، فالشعوب تعاني من مشاهدة المجازر التي خلفتها الحرب في منطقة الشرق الأوسط والأطراف المحركة له حتى أصبح العنف محور الإيديولوجيات.
لا شك أن الفرد المنطلق من تصورات تراثية يبدي امتعاضه من هذه المسلسلات المدبلجة المثيرة للجدل ويستنكر هذه الأعمال الغارقة في العشق الممنوع، فإن التفسير لهذا المعنى هو قتل الإبداعية في العمل، وبذل الجهود إلى استغلال العاطفة لتمريرالبضائع والعروض فمن المؤكد يشاهد المجتمع اتساع نطاق العنف ويتخلى عن إيمانه بالخطأ وحيثياته وتفاصيله.