د.عبدالله مناع
بعد سبع سنوات.. من القطعية بين «فتح» و»حماس».. استطاع الرئيس الفلسطيني: «محمود عباس» أن ينجز في شهر مايو من عام 2014م - بجهوده، وجهود عقلاء الزعامات الفلسطينية، ودعم الأشقاء العرب، والأصدقاء من دول عدم الانحياز والعالم ككل - أول (مصالحة وطنية) فلسطينية بين طرفي الصراع الفلسطيني.. بل وأن يشكَّل حكومة «توافق» وطني -من خارجهما- برئاسة الدكتور رامي حمد الله.. رغم التهديدات الإسرائيلية له بعدم الاعتراف بهذه «الحكومة» إن مضى في تشكيلها.. إلا أن الرئيس واصل جهوده في إقامتها، وهو يضع مصلحة الوطن الفلسطيني ووحدته وحاضره ومستقبله فوق كل اعتبار.. وأي اعتبار لا يخدم وحدة الشعب الفلسطيني!! لكن ومع اقتراب يوم الإعلان عن أسماء تشكيل أعضاء الحكومة.. اعترضت «حماس» على إعطاء الدبلوماسي «رياض المالكي» حقيبة الخارجية»، وإلغاء حكومة التوافق لـ(وزارة الأسرى).. حتى كاد أن يفشل مشروع إقامة (حكومة) الاتفاق الوطني، لولا أن تدارك الموقف في لحظاته الأخيرة السياسي الفلسطيني المخضرم «موسى أبو مرزوق».. عندما أخذ يعلن ويهمس في أذان (الحمساويين) بـ(أن من باع الجمل.. لا يبكي على خطامه).. وكان الحمساويون -ساعتذاك- قريبي عهد بالحكومة التي رأسها «إسماعيل هنية».. وهو ما فتح الطريق أمام الإعلان عن أسماء وأعضاء تلك الحكومة.. بل وتلقى التهاني من الرئيس «أوباما» آنذاك مع تجديد تعهده بـ(التزام الولايات المتحدة الأمريكية بشكل معمق بمفاوضات سلام تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.. متواصلة وقابلة للحياة.. تعيش جنبًا إلى جنب في سلام مع دولة إسرائيل).. ولكن دون الاعتراف الرسمي بـ(حكومة التوافق).. مجاملة لـ(إسرائيل)..؟!
ومع ذلك لم يقدر لـ(حكومة التوافق) الفلسطينية هذه برئاسة الدكتور رامي حمد الله النجاح والاستقرار والاستمرار.. إلا بعد أن تأكد سقوط حكم (الإخوان) في مصر، واستحالة عودتهم إليه!! ومع ذلك ظل التعنت (الحمساوي) يظهر مع قوة علاقتهم بـ(التنظيم الأممي للإخوان)، ويختفى مع ضعف العلاقة مع التنظيم الأممي وتراجعها.. إلى أن جاء عام 2017م بمتغيراته العديدة، والتي كان في مقدمتها وصول المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» غير المتوقع إلى البيت الأبيض.. ليعاود عقلاء الزعامات الفلسطينية بحث ملف (المصالحة الوطنية)، وإحياء حكومة (التوافق الوطني) في أكتوبر من ذات العام.. بدعم من الرئيس عبد الفتاح السيسي.. بعد عودته من حضور جلسات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولقائه بالرئيس الأمريكي الجديد «دونالد ترامب».. لتتم (المصالحة) الجديدة، وتتحرك معها حكومة (التوافق الفلسطينية)، برئاسة الدكتور رامي حمد الله برفقه وزرائها.. إلى قطاع (غزة) بعد أن أعلن رئيس الحكومة المقالة «إسماعيل هنية»: (إنهاء حكومته وتسليمها لحكومة التوافق)، ليتنفس الفلسطينيون خاصة والعرب عامة الصعداء.. ببلوغ هذه النتيجة وهم يقولون معاً: وداعاً.. لسنوات القطعية.. ومرحباً بسنوات الوفاق والاتفاق!!
ورغم أن مفاوضات الحل النهائي - الخاصة بحدود الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وإيقاف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة - لم تستأنف بعد بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. نتيجة القطيعة التي أعلنها الرئيس محمود عباس مع الإدارة الأمريكية والإسرائيلية بسبب الاعتراف الأمريكي بـ(القدس الشرقية) عاصمة لإسرائيل، وإيقاف المساعدات الأمريكية عن إدارة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وعدم وجود آلية بديلة لترعى مفاوضات الحل النهائي.. بديلاً عن اللجنة الرباعية التي كانت ترعى مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وصولاً (لحل الدولتين) اللتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام، فقد بدأت السلطة الفلسطينية بالسعي لدى الأمم المتحدة بطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بدلاً من صفة (عضو مراقب) الذي تتمتع به.. حتى تتمكن من الدفاع عن شرعية الدولة الفلسطينية المرتقبة.. في ظل فرصة (المصالحة الوطنية) الفلسطينية القائمة.. إذ لم يكن في مقدور السلطة الفلسطينية أن تتقدم بطلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهي منقسمة على نفسها.. وكأنها (فلسطينان): فلسطين الضفة الغربية.. وفلسطين قطاع غزة.!؟ ليحضرني في هذا السياق: النضال الفيتنامي.. الذي قاتل الولايات المتحدة الأمريكية بقوتها وعتادها في ستينات القرن الماضي من أجل وحدة الأراضي الفيتنامية.. فلا تكون هناك» (فيتنام شمالية) شيوعية.. و(فيتنام جنوبية) رأسمالية.. كما كانت تريد الولايات المتحدة.. بل (فيتنام) واحدة كما أرادها الزعيم الفيتنامي (هوشى من) بإصراره وزهده.. وبإيمانه وتواضعه.. وليس بعتاده وجيوشه الجرارة.. حتى وصفه زعيم الاتحاد السوفيتي الأشهر: نكيتا خروشوف.. بـ(نبى الاشتراكية)..!
لكن شهر عسل المصالحة الوطنية الفلسطينية.. لم يدم طويلاً كـ(العادة)!!.. إذ سرعان ما تبدل بعد أقل من عامين، ليعاود (الحمساويون) عنعناتهم، واختلاق أسباب الاختلاف مع (الفتحاويين) في قطاع غزة كالعادة.. حيث مركز ثقل (حماس)، وكوادرها وجماهيرها.. عندما أُعلن صحفياً وعبر عدد من الفضائيات (أن موظفي وزارة الداخلية التابعين لـ «حماس» في إدارة معبر رفح الحدودي مع مصر عن استلامهم لمعبر رفح بعد سحب السلطة الفلسطينية لموظفيها).. احتجاجاً على ممارسات ضد حركة «فتح».. حيث قال مسئولو المعبر من حركة «حماس»: (بقرار سياسي عاد موظفو المعبر وتسلموا كافة المكاتب والإدارات في معبر رفح لخدمة أبناء شعبنا، وحتى لا يصبح هناك فراغ)!! بينما قال «اياد حزم».. الناطق باسم الداخلية الفلسطينية: (إننا في وزارة الداخلية والأمن الوطني سنحافظ على مقدرات شعبنا ومكتسباته).. وهو يشير إلى (أن انسحاب موظفي الوزارة كان بسبب الممارسات الحمساوية، والتي كان آخرها ما طال الطواقم من استدعاءات واعتقالات وتنكيل بموظفينا)!!
وأيًا كانت الأسباب فيما حدث في معبر رفح.. ما كان يصح لكوادر حماس «الاستيلاء» على المعبر عقب انسحاب موظفي السلطة الفلسطينية.. حتى ولا (لملء فراغ انسحاب موظفي الداخلية الفلسطينيين من المعبر)، لأن لـ(المعبر) إدارة ثلاثية.. من مصر والسلطة الفلسطينية، والأمم المتحدة، وليس لـ(حماس) أي دور في إدارة المعبر يعطيها حق الاستيلاء عليه...!! كما أن واجب الحفاظ على المصالحة الوطنية وحكومة الوفاق - والاتفاق - الوطني.. كان لابد وأن يمنعاها من اقتراف حماقة الاستيلاء على المعبر بقرار سياسي حمساوي...!
ولكن لـ(حماس) مشكلتين.. هما السبب في خلق هذه الاختلافات مع «فتح» بين الحين والآخر: (الأول).. إن حماس ما تزال تعتقد أنها في (السلطة).. وبالتالي فهي مسؤولة عن كل ما يحدث في (قطاع غزة)، و(الثاني).. يكمن في ولائها القديم والمتجدد لـ(أممية) الإخوان وأحلام عودة الخلافة.. اللذين يحفزانها على البقاء في المشهد الفلسطيني.. وأيًا كانت الظروف والمتغيرات.!!
لقد دعا.. كثيرون من الكتاب والصحفيين والإعلاميين من العرب ومن غيرهم «حماس» .. الالتزام بـ(الواقعية)، والتخلي عن دروشتها الدينية في السياسة، وأن تُغلب (وطنيتها) على (أمميتها) في هذه المرحلة الدقيقة من عمر صراع الوجود الذي تخوضه القضية الفلسطينية.. لأن الوطن الفلسطيني نفسه في (خطر)، ولكن يبدو أن قولنا القديم (أسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي).. ما يزال راسخاً في وجدان وإيمان الحمساويين!