حمّاد السالمي
* وفي بداية الكلام؛ لا أخفي إعجابي بالخدمات المتطورة لوزارة الصحة، وفي فروعها ومرافقها كافة. أشعر أن وزارة الصحة؛ تؤمن أن تسهيل التواصل مع مراجعيها؛ وتقديم الخدمة الأسهل والأسرع لهم؛ هي جزء مكمل للعلاج، وخير مثال على ما أقول؛ هو الرقم (937)، الذي لا يتثاءب ولا ينام طيلة (24 ساعة). وعندي لهذا الرقم وما ماثله من أرقام خدمية أخرى؛ مقال آخر قادم.
* أدخل في تفاصيل الفكرة، التي أود أن أهديها لوزارة الصحة ولوزيرها الهمام: (د. توفيق بن فوزان الربيعة). هدية ليست بـ (مليون جنيه)..!. كل ما أطلبه هو الدعاء لي؛ بأن لا أدخل المرافق الصحية طلبًا لكشف أو علاج.
* كتبت مقالاً سابقًا في صحيفتي هذه عنوانه: (المتقاعدون في الأرض http://www.al-jazirah.com/2019/20190113/ar2.htm). عرضت فيه إلى الأوضاع المالية والمعيشية والصحية الصعبة لقرابة المليون مواطن سعودي من متقاعدي القطاعين العام والخاص. أكثر ما يؤرق هؤلاء؛ هو حالاتهم الصحية، وما تتطلبه من مصاريف ونفقات، خاصة للحالات المستعصية. إن الكثيرين منهم يجدون أنفسهم بعد التقاعد وحيدين، فلا صحبة دائمة، ولا أندية للترفيه والتسلية، وإن وجد القليل من هذا؛ فالدخل القليل لكثير منهم لا يكفي.. كُثر أولئك الذين ينزوون عن الأنظار، وسرعان ما تداهمهم الأمراض النفسية والعضوية، حسنًا.. كيف نساعد هؤلاء الذين هم كلهم فوق الستين سنة من أعمارهم..؟ ماذا نقدم من أجلهم ومن أجلنا؛ لكي نحقق لهم الأمان الصحي، ثم نوفر على الدولة مئات المليارات من تكاليف العلاج والتأهيل في مستشفيات الدولة والمستشفيات الخاصة..؟
* أتحدث بصفة خاصة عن المتقاعدين، الذين هم فوق الستين من أعمارهم، وأعتقد أنه يمكن شمول هذه الفكرة لمن هم تحت هذا السن؛ بعد دراسات توضح الفوائد الصحية والاجتماعية والمالية التي نحققها لهؤلاء المواطنين وللدولة.
* هناك في أكثر من مدينة؛ أندية (رياضية أهلية)، لكنها في معظمها دون المؤمل منها، وخدماتها على ما يبدو غير مشجعة وغير جاذبة، وأسعار الاشتراك بها ليست في متناول الكل، بدليل أن بعض المقتدرين ماليًا يسجلون فيها، ويدفعون مبالغ كبيرة، ثم سرعان ما ينسونها. وهنا نأتي إلى البديل الذي هو معمول به في عدة دول غربية وشرقية تدعم اشتراك الأفراد- في الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان، والصين، وكوريا، وغيرها- ويحقق الأهداف التي نتحدث عنها، التي هي في جوهرها صحية.
* هذه هي فكرة (المليون دعاء): ماذا لو تبنت وزارة الصحة مع الجهات الأخرى -اجتماعية ورياضية وغيرها- فكرة تشجيع إنشاء (أندية صحية رياضية ترفيهية)، مع تطوير القائم منها، بهدف توفير بيئة جاذبة لكبار السن. يتدربون فيها رياضيًا وصحيًا، ويلتقون فيها للترفيه، وممارسة أنشطة تناسب هواياتهم الثقافية وخلافها. بعد ذلك؛ يأتي الدور الأهم وهو: أن تتحمل وزارة الصحة تحديدًا؛ نسبة أكبر من رسوم الاشتراك لكل مستفيد من هؤلاء؛ بحيث يصبح الاشتراك رمزيًا، بشرط الاستمرارية في الحضور، وتحقيق نسبة استفادة عالية من البرامج المقدمة في النادي الذي ينتسب إليه المشترك. الاشتراك السنوي الذي يتراوح عندنا من (2000 إلى 5000 ريال)، لا يكلف المواطن الأميركي أكثر من (100 دولار).
* إننا بهذه الطريقة؛ سوف ننتشل مئات آلاف من كبار السن من عزلتهم، ومن أمراض السكري، والضغط، والاكتئاب، وآلام المفاصل وغيرها؛ إلى بيئات حيوية نشطة. فيها تمارين رياضية وصحية، وفيها ترفيه وثقافة وصحبة بشكل يومي، وعندها؛ سوف نقلل كثيرًا من قيمة الفاتورة الصحية للكشف والعلاج، والخدمة المكلفة للمنومين والمنتظرين للموت على الأسرة البيضاء في المستشفيات. كم تصرف الدولة سنويًا على مئات آلاف لا شغل لهم إلا مراجعة العيادات وصرف الأدوية..؟ هذه مبالغ في الإمكان توفيرها بمبالغ أخرى أقل بكثير، ندفعها لدعم الاشتراك السنوي للفرد في أندية صحية بمواصفات جيدة، تحقق الفوائد المرجوة منها، وليس ما هو قائم الآن بإدارات أكثرها استثمارية فقط، لأنها غير مدعومة، وغير موجهة، بل تواجه بشروط تكون في بعض المدن تعجيزية.
* إن ظاهرة أمراض السلوك الحياتي اليومي للفرد ما بعد الوظيفة - وخاصة بين النساء.. سمنة وسكري وضغط واكتئاب مثلاً- ظاهرة خطيرة، وفاتورتها المالية كبيرة، سواء على الفرد نفسه أو الدولة، فالعائد التقاعدي (قاعد) عند حد لا يتخطاه صعودًا بل هبوطًا..! بينما الأسعار ترتفع، وتكلفة المعيشة والعلاج تزيد، ورسوم الاشتراك في الأندية الحالية على علاتها مبالغ فيها، مع ندرة في التوجيه الرياضي والمدربين الأكفاء، وخدمة غير موازية.
* لعلها فكرة مناسبة لتحقيق أهداف إنسانية ووطنية، فتخلق سلوكًا جديدًا للفرد بعد التقاعد، وترسخ ثقافة الأندية الصحية، وتخفف الأعباء على الأفراد، وتوفر نسبة كبيرة من فاتورة العلاج الباهظة التي تتحملها الدولة لما يقارب مليون مواطن ومواطنة، حتى نأخذ بالوقاية؛ التي هي خير من العلاج، وحتى نحقق لأنفسنا عقولاً سليمة في أجسام سليمة، ثم لكي يرى ويتلمس كبار السن في مجتمعنا؛ التيجان على رؤوسهم، بدل أن يروها على رؤوس الأصحاء من حولهم وهم مرضى والعياذ بالله.