د. حمزة السالم
كثير منا قد انتبه لدعايات تسويق منتجات رخيصة (يُزعم أنها مبتكرة) في التلفزيون الأوربي والأمريكي وخاصة في إجازة نهاية الأسبوع. فترى أحدهم في البرنامج الدعائي يروج لمنتج «يُزعم أنه مبتكر» وأنه لا يُباع إلا عن طريق الاتصال بهم، وأن من يفعل هذا فورًا يحصل على تخفيض أو مضاعفة المُنتج بالمجان. وبالطبع، فإعادة المنتج واسترجاع كامل المبلغ أمر لا جدال فيه.
وهذه الشركات -الرخيصة المُخادعة- تدرك أن أحدًا لن يرضى بمنتجهم، المتدنية جودته، العديمة منفعته. فهم يراهنون على شريحة لا يكترثون لقيمة منتجهم الرخيصة، لذا يخاطرون بشرائها، ولكنهم لا يعنون أنفسهم مشقة إعادتها. وبهذا تربح هذه الشركات عن طريق بيع منتج بعشر دولارات وهو لا يكلف -مع تسويقه- إلا دولارًا. فلو أُرجع 70 % من المباع، لكانت نسبة أرباحهم 100 %.
في بلادنا، تُطبق هذه الحيل التسويقية الرخيصة، ولكن -كالعادة- على مقياس أوسع في مخادعة المشتري وفي تعظيم الأرباح لتصل لـ 900 % (بافتراض دولار كلفة وريع 10 دولارات).
ويحدث هذا عن طريق كبار الموزعين في السوق، والذين يملكون اسمًا وثقة عند الناس، (وإن كان اكتسابهم الاسم والثقة ناتج عن عدم وجود منافسين لهم).
فأكثرنا قد زار معارض كبار الموزعين للسلع الاستهلاكية المعمرة نوعًا ما، كالأجهزة الكهربائية مثلاً. ولعل أكثرنا قد انتبه أن هناك منصات خاصة لمنتجات قد اجتُهد في ديكورها لتخرج بانطباع المهنية والثقة. وهناك شريحة من المتسوقين تنزع لتجربة الجديد، وخاصة أنه ليس هناك مخاطرة كبيرة، فسياسة الترجيع والاستبدال مطبقة في المعرض. فالزبون يشتري بناء على ثقته في المعرض واطمئنانه بأنه قادر على استرجاع ماله إذا اكتشف أنها خدعة.
وكيف يكتشف الزبون الخدعة، إلا بعد ذهابه للمنزل وتجربته للسلعة. فمتى اكتشف أنها خدعة وأراد إرجاعها، قالوا لها إنها تُسترجع أو تستبدل ما لم تُستخدم مطلقًا. فما هي فائدة الإرجاع إذًا؟ وكيف تُجرب السلعة، إذا لم تُستخدم. وهكذا يتورط المتسوق بها، وتكون قيم هذه السلع -عادة - مرتفعًا جدًا.
لذا فالفرق بين أرباح الحيل التسويقية الرخيصة عندنا وعندهم كبير جدًا. فنسبة الاسترجاع في الغرب كبيرة، بل وقد تتجاوز 90 %، فتتحقق خسائر للشركة المسوقة. أما عندنا فنسبة الاسترجاع معدومة.
هذا التسويق المُخادع الرخيص، جعلني أترحم على سوبر ماركت رفض إعادة منتج فاسد. فأذكر أني اشتريت منه كمية كبيرة من الآيس كريم المستورد الغالي. فلما فتحته، وجدته فاسدًا بسبب ذوبانه من قبل، ثم إعادة تجميده مرة أخرى، في ثلاجات السوبر ماركت. فتحجج السوبر ماركت بأنه ليس قابلاً للاسترجاع طالما أنني فتحته! وعدم استرجاع الآيس كريم، لم يكن إلا سوء قرار من مدير السوبر ماركت، وليست سياسة تسويقية مخادعة منهم.
وقد أتيت بهذا المثال، لأنه يصور فداحة خطأ معارض توزيع السلع الاستهلاكية المعمرة، واستخفافهم بعقل الزبون، ومدى جرأتهم على السوق.
وإن كنت أعتقد، أن هذه المعارض هي بذاتها، ضحية مخادعة هذه الشركات لها. وأسباب وقوعهم في شبك حيل شركات التسويق الرخيص، هو حديث ذو شجون.