د. محمد عبدالله العوين
في بادئ أمر نشأة جماعة الإخوان المسلمين لم يكن لدى المملكة العربية السعودية موقف متحفظ أو ممانع لاستقبال قياداتها في موسم الحج وغيره من المناسبات، شأنها شأن أية جماعة ترفع شعار الإسلام وتعلن أنها تعمل على نشر مبادئه وتسعى إلى نهضة المسلمين.
ولذلك استقبل الملك عبد العزيز -رحمه الله- مؤسس الجماعة حسن البنا في موسم حج عام 1936م الموافق 1355هـ لأول مرة في مقر استقبال كبار وفود الحج ممن تعود الملك على استقبالهم من رؤساء وملوك ووزراء وعلماء دين ووجهاء وغيرهم، ولم يكن البنا مدعوًا لتلك المناسبة، بل أقحم نفسه ومائة من أفراد جماعته لحضور مناسبة الاستقبال واجتهد في البحث عن وسيلة تمكنه من إلقاء كلمة ضمن برنامج الحفل، وتم له ما أراد؛ على الرغم من المظاهر الكرنفالية التي رتبها مع أفراد جماعته للفت الانتباه إليها بصورة متعمدة؛ إذ حضر المائة بلباس أبيض موحد وطاقية بيضاء أيضًا على الرأس ويرددون شعارًا واحدًا ويرفعون علم الجماعة.
ولم تكن أهداف هذا الاستعراض المقصود غائبة عن فطنة الملك، ولم تكن المعاني المضمرة التي أطلقها البنا في خطابه بعيدة أيضًا عن تجسيم أهداف وغايات الجماعة البعيدة على الرغم من إخفائها بين ثنايا المتفق عليه مما يختلف عليه اثنان عن معضلات نهضة المسلمين.
وتم لقاء البنا بالملك المؤسس الذي كان غاية مهمة من الغايات التي خطط لها البنا، وطلب منه افتتاح فرع للجماعة في السعودية بعد أن اتخذ البنا - كما تشير الصورة الملتقطة له - وضعية الخضوع التام فجثا بين قدمي الملك المؤسس واستأذنه في افتتاح الفرع؛ ولكن الذكاء اللماح والوعي العميق بما يخفى خلف الكلمات والشعارات البراقة كشفا للملك الأهداف التي يتطلع لها البنا ويسعى إلى تحقيقها من خلال فرع الجماعة الذي يتوسل للموافقة على إنشائه في السعودية؛ فبادره بسرعة بديهة مذهلة وبدبلوماسية ملك حاذق في اختيار الكلمات الموجزة المعبرة التي لا تغضب؛ لكنها تعني قطعًا رفض الطلب «كلنا إخوان مسلمون»!.
لا يعني رفض الملك افتتاح الفرع قطع الصلة بالبنا أو رفض استقباله في مواسم الحج التي تتابعت فيها اللقاءات بعد ذلك، بل سمح له بإقامة حفلات استقبال في فندق «بنك مصر» لكبار الشخصيات من سعوديين ومصريين وعرب، ولم يكن ثمة ما يعكر صفو العلاقة بين قيادة المملكة والجماعة إلى أن حدث ما حدث في اليمن عام 1948م؛ إذا أعلنت الجماعة تبنيها ودعمها للثورة على المملكة المتوكلية في اليمن، وأن الجماعة عملت على التهيئة للانقلاب على الإمام يحيى حميد الدين بقيادة عبد الله الوزير؛ إذ يذكر محمود عبد الحليم أبرز من كتب عن تأريخ الجماعة «أن فكرة إعداد الشعب اليمني للثورة قد نبتت في المركز العام» واشتغل على تنشيط العمل السري ضد المملكة المتوكلية في مكتب الإرشاد شخصيتان بارزتان؛ هما الفضيل الورتلاني (جزائري إخواني) وعبد الحكيم عابدين صهر حسن البنا. يتبع