كل أولئك التائهين الذين لا تخرج الكلمات من داخل صدورهم يهيمون في أحاسيس غريبة لا يمكن أن يعبروا عنها بشكل واضح ومرتب أو بشكل يؤثر في المتلقي كما يؤثر في قلب القائل أو الكاتب. التائهون بلا كلمات يجدون ذواتهم في ثنايا كلمات كتابهم المفضلين الذين يقرؤون لهم فيشعرون بالاستغراب والقشعريرة كيف أن هذا الكاتب استطاع انتزاع اللا كلمات من داخل صدورهم ليقوم فعلاً بتحويلها إلى كلمات وجمل، إلى شرح دقيق لأحوالهم ومشاعرهم.
إنها نعمة عظيمة أن تحصل على كاتب يستطيع أن يخلصك من ذلك الشعور السيئ بأنه لا يوجد ما يصف حالك أو معاناتك، تخيل بأنه لا يوجد من يكتب عن معاناتك! وأن تبقى تلك الهواجس تطارد نفسها بداخلك دون أن تستطيع التعبير والتخلص من هذا الكم من الاختناق. قد يشعر الكاتب بما أقول أكثر من غيره، فالمشاعر التي لا تقبل الكتابة هي سر نجاح الكاتب وفشله، والكتابة نعمة عظيمة للكاتب وقارئيه. هذا يجعل الكاتب أيضًا بين مسؤوليتين مرهقتين وهي أن يكون إنتاجه جيدًا ومميزًا وفي الوقت نفسه ألا يكون كاتبًا تحت الطلب يلبي فقط رغبات الجمهور ويعبر عنهم دون أن يفكر في أن يرتقي معهم وبهم فكريًا وأدبيًا. متى ما تحققت هذه المعادلة الصعبة نجح الكاتب والمكتوب، ونجحت التجربة التفاعلية بين الكتابة والقراءة.
** **
- فهد الشهري