الثقافية - محمد هليل الرويلي:
أشادت المترجمة الأوكرانية «أولينا خوميتسكا» أستاذة اللغة العربية والأدب العربي في جامعة (تاراس شيفتشينكو الوطنية)، التي تعد من أعرق الجامعات (1834م) في العاصمة الأوكرانية «كييف»، بالتجربة الأدبية المتميزة للكاتبة السعودية الروائية والقاصة «أميمة الخميس»، مؤكدة أنها تستحق الجوائز العربية والعالمية، لإسهاماتها الثقافية ولما تمتلكه من مهارة، إِذ استطاعت أن توجد لها خطًا خاصًا وأفقًا واعيًا وعميقًا ذا «سيمياء» أخّاذ ساحر ورقيق، إضافة لكونها تكتب نصوصًا بلغة إبداعية ممزوجة بالخيال الواسع والشاعرية، ما أوجد لها مكانة وسيعة عند القراء، وصنع لها منزلة رحيبة عالمية بين الأدباء. وكم كنت سعيدة وأنا أقرأ خبر حصول روايتها «مسرى الغرانيق في مدن العقيق» على جائزة الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ للأدب، ما ستحظى به الرواية من ترجمات في مختلف أنحاء العالم، حسب البنود المعلنة في الجائزة.
«الجنادرية» أتاحت لي ارتياد المكتبات
وكشفت لـ«الثقافية» أنها حرصت على ارتياد عدة مكتبات سعودية في العاصمة الرياض خلال فترة استضافتها الكريمة ضمن ضيوف الحرس الوطني خلال مدة المهرجان الوطني للتراث والثقافة (جنادرية 33)، للحصول على نسخ من إصدارات الخميس، والحصول على عدد من الكتب المتخصصة في الدراسات النقدية حول القصة القصيرة والشعر الحر. متطلعة للمشاركة في تحرير كتاب يتناول الأدب السعودي والثقافة السعودية في شكل موجز للقارئ الأوكراني (أنطولوجيا الأدب السعودي)، ونقل ذلك للقارئ الأوكراني ومراكز الأبحاث الثقافية في الجامعات وجميع المهتمين بالآداب والثقافات العالمية. إِذ لا يزال المجال واسعًا أمامها - كما تقول- لخدمة الفن والموروث العربي بتراثه القديم الحديث، للمساهمة في نقل الحضارة العربية والتعريف بها في بلادي عبر الترجمات للمثقفين العرب، الأمر الذي يتطلب منها ومن بقية زملائها في العمل، مزيدًا من الجهد والدراسات في هذا المجال.
عشت معها أكثر من نصف حياتي وأرفض وصفها (بالصعبة..)
وأوضحت أنني أرفض وصف اللغة «بالصعبة» أثناء تعلم غير اللغة الأم. بعدما تشكل لديّ هذا المفهوم إثر قراري الالتحاق في الجامعة بقسم «الدراسات الشرقية» سنة 1996م، وذلك لكوني عند التحاقي بالجامعة تعرفت بأمر اللغات الشرقية التي تدرّس بالجامعة فجذبتني الفكرة وفكرت في الالتحاق بإحدى هذه اللغات. وكانت اليابانية والعربية هما اللغتان المتاحتان وقتها. فقررت أن اختار العربية، ولم أكد أصل للسنة الثالثة خلال دراستي الجامعية حتى وجدت نفسي منخرطة في العمل بأحد مراكز الترجمات في العاصمة «كييف»، وأردد قول أستاذي الذي كان يقول في وصف اللغة العربية «إنها الرياضيات والموسيقى والفلسفة»، وإن كانت تبدو صعبة قليلاً من ناحية تراكيب الجمل وبعض معاني مفرداتها التي لا يكاد يظهر الفرق الكبير بينها في معاني الجمل أو الجزئيات الصغيرة، غير أن هذه الصعوبة سرعان ما تزول بالاستمرار في البحث فيها والتزود من علومها، وهذا ما أقوم به بعد أن أمضيت أكثر من منتصف عمري فيها.
وزادت: نعم هناك اهتمام بالترجمات العربية، وهناك في المقابل إقبال واهتمام بالأدب الأوكراني، وهو ما لمسته في معرضي أبو ظبي وبيروت للكتاب في العام الماضي وهذا العام، لكن ما زالت جهود المترجمين قليلة مع الأسف في هذا الجانب، كما أن دور النشر في بلادنا مازالت تخشى الخوض في التجربة تخوفًا من المغامرة وتكبد أي خسائر في الجانب المالي. فبتنا منذ أزمنة بعيدة لا نكاد نعرف سوى القليل من الحكايات والقصص الشعبية التي ينسب بعضها للعرب تعلمناها في المدارس أثناء تعليمنا العام، كقصص «ألف ليلة وليلة»، وبعض المأثورات الشعبية المشهورة في الثقافة العربية. الجدير بالذكر أن «أولينا خوميتسكا» أصدرت أول أعمالها في الترجمة الأدبية (تاراس شيفتشينكو)، مختارات أدبية وفنية، شاركها في الترجمة د. فاضل المويل و»فولوديمير مارتينيوك»، عن المجلس الوطني للثقافة والفنون بدولة الكويت عام 2016م. دار البحوث والدراسات والتخطيط الأدبية، بمناسبة اختيار الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية 2016م، فتناولت بعض أعمال هذا الأديب الذي يصفونه برمز أوكرانيا ومؤسس اللغة الأوكرانية الأدبية الحديثة. كما صدر لها في القاهرة عن دار العين 2017م، (ليسيا أوكراينكا مختارات من أشعارها ورسائلها) تناولت فيه أشعار ورسائل الشاعرة والكاتبة المسرحية الأوكرانية «ليسيا أوكراينكا»، شاركها في الترجمة والتقديم د. سمير مندي.
الثقافية تبارك لكاتبة رواية «مسرى الغرانيق في مدن العقيق»
بدورها وعقب إعلان القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2019م. التي ضمت اسم الروائية السعودية أميمة الخميس ضمن 134 رواية ترشحت للجائزة. عن روايتها الصادرة عن دار الساقي «مسرى الغرانيق في مدن العقيق» من ضمن الروايات المرشحة لنيل الجائزة. اتصلت «الثقافية» بالأديبة «الخميس» مهنئة بهذه المنجز المضاف للمسيرة الحافلة، وسألتها عن مدى توقعاتها وحظوظها للفوز بالجائزة المقرر الإعلان عنه عشية افتتاح الدورة الـ 29 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، وكذلك عن رأيها وتقييمها للحركة الروائية السعودية ومدى نضجها خصوصًا في السنوات الأخيرة التي لا يكاد تخلو فيها القائمة الطويلة أو القصيرة من أسماء لمبدعين سعوديين فقالت: قد لا يحسن الكاتب عادة الحديث عن أعماله لكن لعلي أشير إلى آراء لجنة تحكيم الجائزة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، حول رواية مسرى الغرانيق في مدن العقيق.
عبدالناصر: لغة أميمية عذبة ومعرفة نادرة
قالت د. تحية عبدالناصر (إنها رواية تنتمي إلى أدب الرحلة، وتستمد الرواية إشاراتها من الحضارة الإِنسانية التي تشمل الشرق والغرب، حيث تسرد الرواية مسرى الغرانيق ما بين الشرق والغرب من اليمامة، فبغداد، القدس، القاهرة، القيروان، وصولاً إلى قرطبة، مرافقة تاجر كتب، وتتميز لغة أميمة بالعذوبة، ويضفي النص على مدن العقيق المعرفة النادرة الثمينة).
أبو النجا: أمسكت بجوهر الثقافة والدين في العالم العربي
وقالت د.شيرين أبو النجا (تمكنت أميمة الخميس من الإمساك بجوهر التنوع الثقافي والديني في العالم العربي، وتحديدًا ما بين عامي 402 - 405، من أجل ذلك قامت بتوظيف تقنية الرحلة والرحال، وهي المعرفة التي تلقي به إلى التهلكة، كإشارة إلى الطريق المسدود لحرية المعتقد، ويتقدم السرد عبر مسارين الأول يتتبع مزيد الحنفي المنطلق من الجزيرة العربية لتنتهي الرحلة في زنازين الأندلس، وفي هذا الطريق يتفاوت التزام مزيد بالوصايا السبع، فكان لا بد أن ينتهي بالسجن بعد أن لسعته المعرفة بنيرانها، إما المسار الثاني الذي لا يتوقف السرد عن رسم خطواته، فهو الرؤى الأيدلوجية والسياسية والمعرفية التي شكلت اللحظة الحاضرة بجميع ملابساتها وبكل أحزانها وخيباتها، إِذ نشهد في الرواية الصراع بين العقل والنقل، وتكفير الفلاسفة، حيث تتظاهر رواية مسرى الغرانيق في مدن العقيق أنها تعيد قراءة التاريخ، على حين هي في الواقع تكشف المسكوت عنه في هذا التاريخ وتمنح المهمش صوتًا قمعته سابقًا السلطات بجميع أشكالها، ذلك الصوت الذي يسعى إلى إعلاء العقل في مقابل النقل، صوت يعلي من شأن المعرفة والشعر والتأمل والاجتهاد، ولكن مدن العقيق لا تتحمل هذا الصوت، فكان لا بد من إسكاته لنشهد مزيدًا وهو (جنين العتمة)، قد تنقذه وتنقذنا معه الوصية الأخيرة «احرق وصاياك وأبدأ من جديد، حتى لا تتحول إلى لاهوت» إنها قصيدة مؤلمة لأنها تنبش الذاكرة وتواجهنا بما حاولنا نسيانه.
ديفيز: روايتها أثارت تساؤلات القارئ الغربي؟
فيما قال المستشرق هيمفري ديفيز (لا تأخذ رحلة البطل الملحمية القارئ فقط عبر أراضي الحضارات العربية الممتدة من بغداد للأندلس في القرن الرابع الهجري فقط، بل في نفس الوقت عبر عالم من النقاش الثقافي والصراع حيث قد توجد جذور كثير من القضايا الفكرية والاضطراب نفسه الذي تتسم به المنطقة اليوم، بالنسبة للقارئ الغربي، تثير الخلافات المطروحة حول مسائل مثل قبول ورفض المعتزلة الكثير من المألوف في تاريخه.
العناني: صورت ثقافة العرب أكثر من جغرافيا العصر العباسي
قال د. رشيد العناني (تأخذ الرواية شكل رحلة من الجزيرة العربية، عبر المدن الكبرى في العالم العربي في القرن الحادي عشر أثناء الحكم العباسي في بغداد، الفاطمي في القاهرة، والفصائل المتقاتلة على الحكم في الأندلس، ومع ذلك فهي رحل فكرية أكثر من كونها جغرافية، تهتم بتصوير القضايا الثقافية، خاصة الدينية في ذلك العصر وأثرها على تطور (البطل / الراوي)، حيث تعكس الرواية تعاطفًا كبيرًا مع الاتجاهات الإِنسانية في الفكر العربي، لاسيما المعتزلة، والنفور من التفسيرات الاستبدادية الصارمة للدين، إن رؤيتها المتسامحة المتحررة، على الرغم من أنها تقع في القرن الحادي عشر، لها امتدادات واضحة للتطرف والتعصب الديني في الحاضر، لتتبلور في النهاية رواية جادة تتناول الزمن الحالي من خلال التاريخ.
طلبة: فريدة في مبناها حاكت أدب الرحلات وصراع التيارات
كما قالت د. منى طلبة (نص فريد في أسلوبه ومبناه، مغامرة لغوية قديرة ومبدعة تحاكي أدب الرحلات الكبرى في التراث العربي، مثل رحلة ابن بطوطة، وابن فضلان، وابن جبير، ولكن على نحو مختلف، فبالنسبة للعنوان فهو يحاكي عناوين كتب التراث التي تراعي السجع، والغرانيق هي جمع غرنوق (طائر أبيض مائي، طويل الساق، جميل المنظر، له قنزعة أي عرف ذهبي اللون، وقد اتخذ المعتزلة أهل العدل والتوحيد في الرواية من (السراة الغرانيق) لقبًا لهم وقد تعاهدوا على اتخاذ العقل نبراسًا ونشر كتب العلم، إما الرواية فتدور في العصور الوسطى العربية حقبة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، فبطلها هو مزيد الحنفي (والاسم له دلالة أيضًا) وهو خطاط كتب من الجزيرة العربية ومدون وتاجر لها، يقتني ويبيع النادر والثمين من الكتب، يقوم برحلته التي تشمل العواصم الثقافية الكبرى، حيث ينطلق من وسط الجزيرة، ويسرد تجاربه في مدن العقيق: بغداد، القدس، القاهرة، القيروان، الأندلس، وما بداخلها من صراع بين التيارات والفرق الدينية الفكرية، والمذاهب والمدارس الفلسفية، والعادات الاجتماعية.
o الخميس: الرواية «درب مرايا» يدلنا على العالم والبطل وما وراء الشر
وإجابة على تساؤلات لـ«الثقافية» قالت الأديبة أميمة الخميس: يبدو أن الرواية الآن تتصدر المشهد الأدبي، بعد أن اتسعت دائرة جماهيرها واختطفت الصولجان من الشعر، الذي كان متصدرًا للمشهد كديوان للعرب. ورغم أن الثقافة البصرية قد طغت وهيمنت لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الرواية ما برحت تستأثر بجماهيرها، وما برح القارئ يجد بين دروبها وردهاتها، ما يعجز أن يحققه له أي نوع أدبي آخر. مستشهدة على ذلك بحالة الخذلان التي يصاب بها الكثير من القراء عندما يطالعون فيلمًا مأخوذًا عن رواية، كونهم يصابون بالخذلان نتيجة عجز الفيلم عن موازاة تجربة التلقي الروائي المثيرة في أعماقهم. واصفة الرواية «بالدرب المرصوف بالمرايا» التي يكتشف الإِنسان فيها نفسه، وكوامنه ونزعاته الكامنة الغامضة، وتدله على درب البطل في أعماقه، وتجعل من حياته ملحمة وتحديًا بما تضفيه عليها من معنى. كما أن الرواية توسع من دائرة الوعي، وتحقق بعدًا إِنسانيًا عندما تجعل القارئ أكثر تعاطفًا وتفهمًا للآخر المختلف. وتأخذنا إلى ما وراء الخير والشر، فتجعلنا نتفهم القوانين الكونية التي تتحكم في العالم حولنا، وتحدد موقعنا من العالم، والمسافات التي تفصلنا عن محيطنا وتحدياتنا.