عبر التاريخ شهدت الوجهات الساحلية جذبًا كبيرًا للسياح/ الزوار. وقد تطورت العديد من المناطق الساحلية، بما في ذلك في إفريقيا جنوب الصحراء، إلى وجهات سياحية مزدهرة. فغالبًا ما تكون البيئات الساحلية حساسة وهشة على الرغم من تنوعها البيولوجي الغني، في حين أن الأراضي والمياه وغيرها من الموارد الطبيعية يمكن أن تكون نادرة نسبيًّا.
ويشمل مفهوم السياحة البحرية، أو السياحة الساحلية أو الزرقاء كما يسميها بعض المختصين في السياحة، مجموعة من الأنشطة السياحية والترفيهية التي تحدث في المنطقة الساحلية، وتشمل مجموعة من الأنشطة التنموية ذات الصلة بالسياحة (الإقامة، والمطاعم، والخدمات الغذائية، والمعالم السياحية، والمنازل الثانية).. إضافة إلى البنية التحتية التي تدعم تنمية السياحة الساحلية والبحرية (مثل شركات البيع بالتجزئة ومراكز النقل والمراسي وموردي الأنشطة). كما تشمل الأنشطة السياحية الأخرى، مثل: القوارب الترفيهية، والسياحة البيئية الساحلية والبحرية، والرحلات البحرية، والسباحة، وصيد الأسماك الترفيهي، والغوص.. إلخ.
وتشمل السياحة الساحلية أنشطة السياحة البرية، بما في ذلك حمامات الشمس وغيرها من الأنشطة الترفيهية الساحلية التي تُجرى على الساحل القريب. كما أن السياحة البحرية تشمل أنشطة أخرى، مثل: ركوب القوارب واليخوت والرحلات البحرية والرياضية، إضافة إلى خدماتها البرية والبنى التحتية.
وتعتمد السياحة الساحلية على مزيج فريد من الموارد على حدود البيئات البرية والبحرية: الشمس، والمياه، والشواطئ، والمناظر الطبيعية الخلابة، والتنوع البيولوجي الغني (الطيور، والحيتان، والشعاب المرجانية وغيرها)، والأغذية البحرية، والبنية التحتية للنقل الجيد.
وبناء على هذه الموارد يتم تطوير العديد من الخدمات المربحة في العديد من الوجهات الساحلية، مثل: الشواطئ جيدة الصيانة، والغوص، ورحلات القوارب، وجولات مشاهدة الطيور والمطاعم، أو المرافق الطبية.
كجزء من استراتيجية النمو الأزرق في الاتحاد الأوروبي تم تحديد قطاع السياحة الساحلية والبحرية كمنطقة ذات إمكانيات خاصة لتشجيع أوروبا الذكية والمستدامة والشاملة، وهو أكبر قطاع بحري من حيث إجمالي القيمة المضافة، ومن حيث عدد العاملين في القطاع.
وبحسب هذه الاستراتيجية من المتوقع أن يشهد الاتحاد الأوروبي نمو بنسبة 2 - 3 % بحلول عام 2020م.
وفي السياق نفسه، اعتمدت مفوضية الاتحاد الأوروبي رسالة حول «استراتيجية أوروبية لمزيد من النمو والوظائف في السياحة الساحلية والبحرية» في 2014م؛ إذ قدمت استراتيجية جديدة لتعزيز السياحة الساحلية والبحرية في أوروبا من أجل إطلاق العنان لإمكانيات هذا القطاع الواعد.
وتحولت السياحة الساحلية في أوروبا في منتصف القرن العشرين إلى سياحة جماعية، وأصبحت في متناول الجميع تقريبًا.
اليوم يفضل 65 % من صانعي العطلات الأوروبيين الساحل. يزداد قطاع السياحة الساحلية في أوروبا بشكل متزايد؛ إذ يتوقع السياح/ الزوار المزيد من الجودة بأقل سعر ممكن.
ويتوقع السياح/ الزوار اليوم أكثر من الشمس والبحر والرمل، كما كان الحال قبل عقدين من الزمن.
يطالب اليوم السياح/ الزوار بتوفير مجموعة واسعة من الأنشطة الترفيهية والخبرات المرتبطة، بما في ذلك: الرياضة، المطبخ، الثقافة والمعالم الطبيعية.
وفي الوقت نفسه، يزداد قلق السكان المحليين في الوجهات السياحية التقليدية في كيفية الحفاظ على هويتهم الخاصة وبيئتهم وتراثهم الطبيعي والتاريخي والثقافي من الآثار السلبية.
في العديد من المناطق تم بناء مشاريع سياحية جديدة ضخمة، بما في ذلك المطارات والمراسي والمنتجعات وملاعب الغولف. ويواجه التطوير المفرط للسياحة المشاكل نفسها التي تواجه الأعمال التطويرية الأخرى على السواحل.. على سبيل المثال: إزالة غابات المنغروف ومروج الأعشاب البحرية لإنشاء شواطئ مفتوحة، بناء الأرصفة والمباني الأخرى مباشرة على أعلى الشعاب المرجانية، تدمير مواقع تعشيش السلاحف البحرية المهددة بالانقراض وإزعاجها من قِبل أعداد كبيرة من السياح على الشواطئ، تفريغ مياه الصرف الصحي والنفايات الأخرى من قِبل بعض المنتجعات السياحية مباشرة في المياه المحيطة بالشعاب المرجانية، وغيرها من الأضرار التي لا تنتهي.
كما أن لتزايد شعبية السفن السياحية تأثيرًا سلبيًّا على البيئة البحرية؛ إذ تعد هذه المدن الضخمة العائمة مصدرًا رئيسًا للتلوث البحري من خلال إلقاء القمامة ومياه الصرف الصحي غير المعالجة في البحر، وإطلاق الملوثات الأخرى المرتبطة بالبحر.
وتتزايد باستمرار الأنشطة البشرية على مد الساحل والبحر.. وتعتبر السياحة الساحلية والبحرية أحد الأنشطة الأكثر أهمية وسرعة في النمو، وتشمل جميع تلك الأنشطة التي يحتاج إليها السائح/ الزائر لقضاء العطلة الصيفية: المنشآت السياحية والبنى التحتية، مثل: الفنادق والمطاعم والسفن السياحية وجميع أنواع الأنشطة المتعلقة بالمياه والبحر.
هناك طلب دولي قوي على منتجات السياحة البحرية. وقد أثبتت صناعة الرحلات البحرية حتى الآن مقاومتها نسبيًّا للركود حتى خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة، ولاسيما في شمال أوروبا وغربها، سواء في عدد السفن أو عدد السياح/ الزوار الذين زادوا بشكل كبير خلال العقد الماضي.
يجب أن تشتمل السياسات العامة للسياحة في المناطق البحرية والساحلية على مجموعة من الحلول والفرص التي تتلقاها من البحر إلى الأرض، ومن البحر إلى البحر؛ وهو ما يعكس كيفية وصول السائح/ الزائر إلى التجربة البحرية والساحلية.
وينبغي أن تشمل هذه الإدارة صيانة وتجديد الأصول القائمة، وليس فقط البنية التحتية الجديدة.
هناك فرصة لإعادة تنشيط المنتج الحالي وتطوير عروض جديدة؛ وبالتالي إيجاد فرص العمل والإيرادات.
إنَّ السياحة هي تنقُّل الناس في إطار المكان والزمان خارج مجتمعاتهم المحلية لأغراض الترفيه والأعمال. ويمكن أن تعمل السياحة كمحفز للحماية البيئية والثقافية، وتعزيز السلام والصلح؛ ولذلك فإن مصطلح السياحة هو مظلة لجميع العلاقات والظواهر المرتبطة بالأشخاص الذين يسافرون أيًّا كان السبب.
إنها ليس لها حدود واضحة، وهي صناعة بحد ذاتها.
وعلى الرغم من أني لستُ من محبي البحر أو أنشطته إلا أني أشعر بأن المحافظة على الثروات الطبيعية فيها واجب إنساني، وليس قابلاً للتفاوض.. ألا يرغب الأغلبية في قضاء العطلة الصيفية في منطقة تكفل فيها التوازن بين السياحة والمجتمع المحلي والبيئة؟
ما هي الأهمية الاقتصادية لقطاع السياحة الساحلية/ البحرية؟ وما هو الضغط البيئي الناجم عنها؟ وكيف يمكن التخفيف من آثارها البيئية؟
** **
بسمة عبدالعزيز الميمان - متخصصة في العلاقات والمنظمات الدولية - مجال السياحة والتراث