ميسون أبو بكر
نخشى من النسيان، ونفزع من العمر إذ يمضي وتشيخ معه الذاكرة، يرهبنا شبح «الزهايمر» وأمراض الذاكرة، لأنها تسلبنا ذكرياتنا وما نكتنز فيها من أحبة مضوا، وبقيت أطيافهم وبعضهم في هذه السماء التي تكمن في مكان ما في الروح، تؤلمنا وتسعدنا في ذات الوقت ولا نملك إلا أن ندين لها بما تمنحنا من نشوة الفرح بأننا ما زلنا نملك جزءا من الماضي وإرثا من حياة كانت.
اللحظة وأنا على وشك اختيار كتاب يعزز بحثي عن قصائد قديمة قيلت في مناطق مختلفة من المملكة للأعشى وجميل بثينة وغيرهم وقع في يدي كتاب للشاعر والروائي والإداري الذي أكاد أجزم أنك تشاركني أيها القارئ الكريم حبه وعشق حروفه، كتاب للراحل غازي القصيبي وعلى الصفحة الأولى من الكتاب إهداء بخط يده مذيل بتاريخ قد تسهو الذاكرة عن حفظه 9/1/2008.
«الآخرون هم النعيم
إذا كنت بينهم»
إحدى القصائد المنثورة في كتابه «النثر.. شعرا لك»
ليس لغازي القصيبي أو عبدالله الجفري أو تركي السديري أو محمود درويش وآخرين أن تجهضهم الذاكرة وإن مضى بِنَا العمر، ليس لهؤلاء الذي خطوا أفكارهم وأشعارهم وبوحهم بأحرف من ذهب أن أخشى من النسيان على ما أحمل منهم من ذكريات تراودني كلما ضج الحنين، أو ذكرهم محبوهم أوتلاميذهم، تكتشف بأن الكتاب _مهما كان نوعه- هو روح مكتوبة لاتموت وتبقى حية يرطب بها أحبابك جفاف شجرة غيابك الموحشة، يستحضرون جميع تفاصيل من خلال ماكتبت من أحرف وكلمات وعبارات، مثلما استحضرت غازي القصيبي من خلال إهدائه بخط يده وبقية كلمات كتابه، متأكدة بأني لست الوحيدة التي تشعر بذلك، فكم من فتاة قاومت وحشة فقد أبيها أو أمها من خلال ما تحفظه لهم من قصاصات أو كتب بخط أيديهم، لترى وجوههم وتشم رائحتهم وتستأنس بحضورهم من خلال هذه القصاصات التي تحمل قمة الحميمة قد تفوق الصور أو مقاطع الفيديو، تطاردني هذه الحالة التي استخدمها لتبديد وحشة فقد الأحبة والأصدقاء، والتي تجعلني - وربما تجعلكم- تسارعون في إنجاز ما بين أيديكم من كتب والتي قد لا تكسبون منها شيئا سوى وضع جزء من أرواحكم على طاولة سرير أحبتكم، الكتاب الذي تنجزه هو جزء من روح تنقذه من الموت!