عبد الاله بن سعود السعدون
يشهد المجتمع السياسي الإيراني تشنجًا وقلقًا بشكل ظاهر لكل المحللين الإعلاميين نتيجة الاحتجاجات الشعبية في معظم المدن، وبخاصة في إقليم خوزستان وطن إمارة الأحواز السليبة. وتزايدت تظاهرات الطلاب في جامعات طهران وأصفهان التي حظيت بدعم كل القوى المعارضة لحكم ملالي طهران وقم، وشُلت حركة النقل والمواصلات نتيجة لإضراب عمال النقل العام والخاص في معظم المدن والأقاليم الإيرانية مع التدهور الاقتصادي المستمر في حركة الاقتصاد الداخلي والخارجي نتيجة للحظر الأمريكي على التعامل التجاري مع النظام الإيراني، وقوبلت كل هذه التظاهرات والاحتجاجات بالقوة المفرطة والقتل والسجن لكل أعضاء المنظمات التحررية شركاء المقاومة الوطنية، واستمرت حملة القمع والتشريد حتى يومنا هذا، والأرض تغلي تحت أقدام استطلاعات الدولة وحربتها الحادة من رجال الحرس الثوري.. وهناك مؤشرات ظاهرة لقلق النظام الإيراني في الخارج ممثلاً بانسحاب فصائل مسلحة من حزب الله من سوريا، والخوف المصاحب لتصرفات المليشيات المسلحة غير المنضبطة في العراق. وقد برز كل هذا الارتباك الذي رافق زيارة السيد نظيف وزير خارجية إيران لجنوب العراق، ولقاءه زعماء تلك المليشيات مع رؤساء عشائر أجبرتهم المليشيات المسلحة المنتمية للولي الفقيه. وهذه اللقاءات المشبوهة للسيد نظيف تؤشر إلى عمق النفوذ الإيراني في جسد الحكومة العراقية ومنظومة الأمن الوطني والولاء التام للعديد من الأحزاب الطائفية المتنفذة في جنوب العراق، والمدعومة بالتبعية للنظام الإيراني. وكم تمنيت أن يعلن أي تعليق رسمي من وزارة الخارجية لهذا الخرق الواضح للسيادة العراقية، والتعدي الكبير لكل بروتوكولات الدبلوماسية في تحديد خطوط العلاقات الدولية بين الدول المستقلة، وأن يكون لمصلحة العراق أولاً قبل أي تعاطف مذهبي بين بعض شعب العراق والنظام الإيراني. وقد يكون من أهم واجبات الحكومة العراقية الحالية العمل الجاد من أجل تجنيب الشعب العراقي مخاطر الصراع وتداعيات الصراع الإيراني - الأمريكي على الأرض العراقية. وإني أتخيل مجازًا لو تصرف أحد المسؤولون العرب بمثل ما قام به نظيف في الشأن العراقي لقامت الدنيا ولم تقعد، وسيثور المأجورون إعلاميو بعض القنوات الممولة إيرانيًّا بالمطالبة الأكيدة بطرد هذا الضيف العربي الذي انتهك سيادة وكرامة الشعب العراقي، وتدخله بالشأن العراقي. أما نظيف فأهلاً وسهلاً به مع الترحيب بقامة طويلة لم يمضها سابقًا بدولة أخرى ولأكثر من خمسة أيام متجولاً بأرض الرافدين من شماله إلى جنوبه.
وقد استنكر أبناء الشعب العراقي بكل تياراته السياسية والدينية تصرف وزير خارجية إيران ونشاطه غير الدبلوماسي الدال على عدم إحساسه بسيادة الدولة العراقية، ومخالفته كل الأعراف والاتفاقات الدولية بخرق كل هذا بلقائه منظمات عراقية مدنية، وشخصيات عشائرية من أهل الجنوب، والتداول في أمور سياسية، تعرِّض أمن واستقرار الوطن العراقي، التي تهم علاقات إيران الخارجية، وليس للشعب العراقي أي علاقة بها، وجره إلى مسرح الأحداث الملتهب بعد تصعيد الإدارة الأمريكية لهجة التهديد ضد إيران. وهذا التطور السريع نتيجة تنفيذ حزمة العقوبات الاقتصادية والسياسية على طهران؛ وهو ما جعل مساحة الحركة السياسة والاقتصادية لنظام الملالي ضيقة؛ الأمر الذي استدعى حركة سريعة للدبلوماسية الإيرانية لنقل ثقل هذه الضغوط لخارج الجغرافية الإيرانية. وقد تم التخطيط والتحريض للخلايا النائمة والتابعة فكريًّا وأيديولوجيًّا للخط الإيراني، والمنتشرة في دول خليجنا العربي على شكل أحزاب سرية وخلايا تجسسية؛ ليبدأ مسلسل التخريب والفوضى في المدن الخليجية الآمنة التي ركبت موجة الاحتجاجات والتظاهر في بعض الدول العربية؛ لتنفذ من خلال هذه الحركات التخريبية. ومن أجل ذلك تم إنشاء مراكز تدريب عسكرية بإشراف مليشيات منتمية بولائها إلى إيران داخل المنطقة الجنوبية من العراق التي تحظى بنفوذ تام وسيطرة كاملة على تلك المدن، وإنشاء منظومات أمنية وسجون خاصة بها غير رسمية. وللأسف لا تستطيع الحكومة الاتحادية في بغداد السيطرة على تصرفات هذه المليشيات غير المنضبطة.. وقرار ملالي إيران هو المحرك الأوحد لكل إجراءاتها الأمنية المتنفذة في تلك المناطق من جنوب العراق التي تمدد نفوذها نحو شمال وغرب الجغرافية العراقية نتيجة الحملة العسكرية التي اشتركت بها المليشيات العسكرية المنضوية تحت قيادة الحشد الشعبي بقيادة الجنرال الإيراني قاسم سليماني. وتمركزت هذه القوى المسلحة في المنطقة السُّنية بعد هزيمة عصابات داعش الإرهابية، وفتحت مراكز أمنية في مدن الموصل وصلاح الدين والرمادي، وأصبح الوضع الأمني من مهمات هذه المليشيات المدعومة عسكريًّا من النظام الإيراني ومعها سيطر ملالي طهران على كل مساحة الأرض العراقية، وإنهاء المعارضة الشعبية المناهضة لنفوذ إيران في المشهد السياسي العراقي.
المرحلة الزمنية الحالية التي تمر على مستقبل الدولة ومؤسساتها الدستورية من أخطر المراحل التي مرت بما يسمى بالعملية السياسية التي تعيش أزمة خانقة لتشكيل وزارة السيد عبدالمهدي التي أمضت أكثر من مائة يوم دون استكمال توزيع حقائبها الوزارية.. فالوزارات السيادية المهمة، كالداخلية والدفاع، تعيش فراغًا للخلو من اختيار شخصيات قيادية مناسبة لتوليها إثر استمرار القوى الخارجية المؤثرة في القرار السياسي العراقي بفرض السيد فالح الفياض المؤيد من قيادات الحشد الشعبي، والرفض الأمريكي لتولي أي من قادة الحشد الشعبي منصبًا سياديًّا في حكومة عبدالمهدي التي تنتظر فيها وزارات العدل والداخلية والدفاع من يتولى حقائبها.
وعكست زيارة الوزير الإيراني نظيف القلق الإيراني من تسارع الانهيار الاقتصادي في بازار طهران، وتدهور الريال في السوق السوداء حتى بلغ أدنى مستوياته في سوق الصرف التجاري؛ إذ أصبح الدولار يباع بسعر 130 ألف ريال - كما ذكرت وكالة رويترز - نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي وفشل الإجراءات المالية التي نفَّذها البنك المركزي؛ وهو ما سبَّب إقالة محافظه العام. ويعلن ذلك بدء ظهور النتائج السلبية للحظر الاقتصادي الأمريكي؛ إذ يحاول الوزير نظيف البحث عن منفذ مسعف للاقتصاد الإيراني لإخراجه من ردهات الموت البطيء عن طريق مساعدة السوق العراقي، ودعم العملة بدفعات من العملة الأجنبية عن طريق التحويل بالدولارات للتبادل التجاري العراقي الذي بلغ ثمانية مليارات دولار، التي يسعى وزير خارجية إيران إلى رفعها إلى عشرين مليارًا نتيجة فتح المنافذ العراقية لتدفق المنتجات الإيرانية نحو السوقَيْن العراقية والسورية.
وقد عُقدت ثلاث ندوات اقتصادية خلال يومين في بغداد والنجف والسليمانية، ارتكزت على شعار واحد لتنمية التبادل التجاري بين السوق العراقية والمؤسسات التجارية الإيرانية، ولدعم اقتصاديات إيران المنهارة اقتصاديًّا.
الشعب العراقي بكل تصنيفاته السياسية والاجتماعية والدينية يتطلع إلى استراتيجية سياسية جديدة، تخلصه من طوق المحاور الإقليمية والدولية، وتحفظ تراب وطنه من شرور الحروب التي تدق طبولها من حوله، الممثلة بالصراع الإيراني - الأمريكي، والتنازع على تثبيت النفوذ السياسي والعسكري على أرض الرافدين التي ارتوت بدماء الشهداء العراقيين نتيجة هذا الصراع الذي امتد باطنًا وظاهرًا أحيانًا منذ سقوط بغداد (دار السلام وعاصمة الرشيد) بقوات الغزو الثلاثي الأنجلو أمريكي إيراني، وتسلُّم ملالي إيران ووكلائهم مفاتيح السلطة في العراق العربي على طبق من ذهب ثمنًا رخيصًا على تعاونهم جميعًا لإسقاط نظام صدام حسين في العراق.