د. عبدالعزيز بن عبداللطيف آل الشيخ
القلق وما أدراك ما القلق، معناه واسع ومفهومه أوسع، فلذا لا بد من تحديد المفاهيم وتأطير المصطلحات لهذه الظاهرة الإنسانية، بله الكونية، إذ إن القلق لا يقتصر على الإنسان بل قد يشمل مخلوقات وكائنات أخرى على هذا الكوكب، كوكب الأرض. ما هو القلق؟ ولماذا القلق؟ أو ما أسبابه ودوافعه وطبيعته ومنشأة؟
ويأتي في مقدمة المصادر التي يمكن الرجوع إليها كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لم لا وكتاب الله يخاطب الناس كافة بله الثقلين.
وعندما نقول الحضارات فيمكن أن يتم التناول من خلال منهجين: أحدهما تاريخي وآخر جغرافي. فمن إطار تاريخي منذ آدم وابنيه وقتل أحدهما الآخر. وعبر الحقب التاريخية والعصور كان القلق القاسم المشترك الأعظم بين تلكم الحضارات. وقد ننظر للحضارات من منطلق جغرافي من خلال نطاقات تلكم الحضارات إقليميًّا أو مكانيًّا، فنتكلم عن الشرق والغرب والشمال والجنوب، والأقاليم القاحلة والأخرى الغنية بالماء والمرعى، وأقاليم السهول والوديان والجبال والسواحل.
وليس بالضرورة أن يختفي القلق من البيئات الغنية بالموارد الطبيعية والإمكانات البشرية، إذ قد يكون الدافع للقلق الحرص على الموارد والمكتسبات والخوف عليها من النفاد أو الاعتداء عليها من كائنات بشرية أو كوارث طبيعية، فالقلق سيكون في بيئات غنية وفي بيئات فقيرة على حد سواء.
وللقلق أبعاد اجتماعية ونفسية، فإخوة يوسف تسرب إلى نفوسهم القلق وشعروا أن أباهم كان يفضل يوسف وأخاه عليهم فدبروا مكيدة للتخلص من يوسف أو إبعاده ليخلوا وجه أبيهم لهم حسب ظنهم. وهذا فرعون الذي طغى وبغى، وادعى الربوبية ورفض دعوة موسى وهارون، وكان يخشى على ملكه، كان قلقًا على ذلكم الملك، وخشي على فقدان ما كان يسيطر عليه، فرفض ما دعا إليه رسولا رب العالمين، كان سبب ذلك القلق الشديد على فقدان سلطانه، المبني على الظلم والاستبداد. والحسد والغيرة من مظاهر القلق، فالحسد داء خفي إذا استوطن في النفس دمرها وأصبح سببًا لارتكاب حماقات واتباع سلوكيات سلبية ضد الأسرة والمجتمع والأمة. فلنفتش عن قلق الذات ومنه ننطلق لتحليل سلوكيات وتصرفات بني البشر على مستوى فردي وجماعي. ومن وراء التسابق في التسلح بين الدول الكبرى في العالم القلق والخوف من سيطرة دولة على دولة أخرى. ولمحاربة القلق ومصادره ودوافعه يمكن للإنسان أن يعيش حياة أكثر هناء وأكثر سلماً واستقراراً. ويكون القلق مصدرًا لعدم الراحة النفسية وضعف الإنتاجية في العمل، وقد يصل إلى الإحباط والفشل. وعلاج القلق الإيمان بالله والتوكل عليه، وبذل الأسباب فيما يوكل إليه الفرد من مهمات، بغض النظر عن حجمها ونوعها ومستواها. وكما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً» وبذلك يزول القلق بخصوص الرزق، والذي يعتبر أحد أهم أسباب القلق على المستوى الفردي.