في بداية الحديث عن الأمن الفكري لا بد من التعريج على تعريف هذا الأمن الذي أصبح ضرورة ملحة في وقتنا الحاضر. البعض يعرفه بأن «الناس يعيشون في استقرار مطمئنين على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية»، وتعريف آخر يقول: «اطمئنان الفرد والمجتمع إلى أن منظومته الفكرية والخلقية وقيمه التي ترتب العلاقات بين أفراد المجتمع ليست موضوع تهديد من فكر وافد غريب». الجزئية الأخيرة من هذا التعريف تبيِّن مدى أهمية هذا الأمن. وأقول أنا إن الأمن الفكري هو «اطمئنان المجتمع على سلامة مبادئه ورفضه قبول الأفكار الهدامة». والفكر من مفهومه يطلق على المبدأ الراسخ في الذهن الذي يأتي من أمر ثابت. هذه لمحة بسيطة عن ماهية الأمن الفكري. ونحن في مملكتنا الحبيبة استدركنا مدى أهمية هذا الأمن؛ فأنشأت له المراكز البحثية، وكذلك أوجدت وحدات أمنية فكرية مختصة تابعة لرئاسة أمن الدولة، وكذلك أُقيمت له المؤتمرات والملتقيات.
منذ عقد من الزمن إلى وقت قريب ونحن نرى أصحاب الفكر المتطرف يهربون إلى الخارج، واليوم نرى أن أصحاب الفكر المنحل يهربون إلى الخارج، والرابط بينهما هو رغبتهم في تدمير الوطن. وأستذكر ما قاله خادم الحرمين الشريفين في أحد خطاباته: «إنه لا مكان بيننا لمتطرف ومنحل». لكن يبقى السؤال المطروح: كيف وصل إليهم التطرف والانحلال؟، بعد بزوغ المشكلة الأخيرة للفتاة الهاربة كان لا بد من تسليط الضوء على هذه القضية التي تمس أهم عنصر للتنمية، وهو العنصر البشري. هذا العنصر الذي يشكله شباب وشابات هذا الوطن لا بد أن نحافظ عليه قدر الإمكان، ونتساءل حول مدى جدية المراكز التي تُعنى بالأمن الفكري، وهل هي مسلطة على الجانبين المتطرف والمنحل؟ وكذلك دور التعليم هل هو مواكب لما يحدث من موجات فكرية متطرفة ومنحلة، تعصف بأذهان شبابنا؟ وهل خطباء الجوامع أدوا دورهم في بيان ما يحدث للناس من أفكار هدامة، تتسرب إلى النشء من خلال وسائل معاصرة؟ وهل الدعاة والإعلاميون وكل من يعتلي المنابر أدوا أدوارهم فيما يحدث لشبابنا؟
المملكة العربية السعودية هي دولة يزداد ثقلها السياسي والدولي؛ وبالتالي يزداد أعداد الحاقدين والأعداء لها. وهذا الأمر هو للتذكير والوقاية للأفراد في حدود مسؤولياتهم، وإلا فالدولة قادرة - بحمد الله - على صد أي عدوان، وكما نرى أن تطور وسائل التواصل أدت إلى بث ما يزعزع الأمن الوطني لداخل الأماكن المغلقة التي هي مسؤولة من قِبل أصحابها، وكما قال الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه. ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».
فالجميع مسؤول عما يحصل في وطننا بحدود ما مسؤوليته؛ فالأعداء يتربصون بنا الزلة، وهم الذين يستميتون لكي تقع، ويظنون ظن السوء بأن المملكة في الوقت الحاضر منشغلة في اليمن، وأنها غير قادرة على صد الغزو الفكري، لكن خابت ظنونهم، وخاب مسعاهم.. ولم يعلموا أن هذا الأمر ليس بجديد علينا؛ فنحن هزمنا الإرهاب قبل ذلك؛ لذا أقول إنه لا بد من خطوات عملية وجادة بهذا الشأن زيادة على ما سبق من إجراءات، ولا بد من أن نحصن العقل والفكر أكثر من أي أمر هدام، سواء متطرفًا أو منحلاً، من خلال جميع أجهزة الدولة، والقضاء على المتطرفين والمنحلين، ولن يضرنا شيء - بإذن الله - من كيد الأعداء، ولن نرى قلة من شبابنا وشاباتنا يهربون إلى الخارج، ويضمرون لأوطانهم الشر والعداء.