د. جاسر الحربش
تصنيفات التبعية أثناء المراحل الاجتماعية الانتقالية سهلة وبدون تبعات. حسب السؤال التقليدي فلان ويش هو من لحية، أو من يعود له يكون الجالس على اليسار مجازاً من بني ليبرال، وبتعبير استهتاري من بني ريبرال، والجالس على اليمين يعود لجماعته من بني مطرف أو بني مقعد أو بني مدعش، ولكن يبقى تصنيف ذلك الذي لا يفضل الجلوس على أحد الطرفين. هذا الذي في الوسط يكون وضعه يشبه المتدخل في خناقة ضرب وشتم بهدف الإصلاح، فينال أقوى اللكمات واللطمات ويسمع أقذع الاتهامات من كل الجهات.
كتبت الأسبوع الماضي مقالاً في صحيفة الجزيرة عن المهن التي لا تصلح حسب رأيي للنساء (وهي قليلة جداً)، وعن تلك التي تصلح لهن بدون تحفظ وهي لا حصر لها. باختصار عبَّرت عن رأيي كمستمع وسطي بين متساهل مع بعض التصرفات الطائشة في مرحلتنا الاجتماعية الانتقالية، لا يمانع في ممارسة المرأة كل حرفة يمارسها الرجل بغض النظر عن خصوصيتها البيولوجية، والآخر الذي لا يريد للمرأة أن تمارس سوى الخدمة المنزلية وتكتفي بما يفرضه عليها رجل لا يرى في النساء سوى ناقصات عقل ودين.
الإشكال الذي يعيشه المتوسط يتلخص في موقعه بين ذلك الحبيب اللبيب المتساهل الذي لا يفكر ولا يريد أن يفكر في كون المرأة لها حدودها البيولوجية التي إن تعدتها تعرضت للخطر الجسدي المعنوي، وذلك المتحجر الناشف الذي لا يصدق رغم الأدلة والبراهين أن بين الإناث في داخل بيته من هن أرجح عقلاً منه وأحرص على وصول العربة الاجتماعية إلى المستقبل المكتفي بدون قلاقل وأخطار كبيرة.
بعض التعليقات على المقال المذكور وصلني بالوسائط الخاصة، وبعضها قرأته منشوراً في وسائط التواصل الاجتماعية المشترك. البعض فهم الهدف الوسطي من أفكار المقال فأثنى وشكر، ولكن البعض عبر عن فهمه الخاص حسب الموقع الذي يتحصن فيه في جهة اليسار أو اليمين.
تعليقات الجالس على اليسار حسب تصنيفنا الفكري المحلي حزن وعتب علي مدعياً أنني حسب ظنه صرت أنفخ في قربة اليمين، ويلمح لي باتجاه إعلان براءته والشك في أهداف كتاباتي في الرأي بعد هذا المقال.
تعليقات الكامن على اليمين كانت أكثر مخاتلة ودهاءً فركزت على ذلك النوع القليل من المهن التي لا أرى صلاحيتها للمرأة وأخفت كل ما عدا ذلك، أي أنها تعاملت بطريقة لا تقربوا الصلاة.. وكفى.
كان أطرف تعليق تغريدة في الشبكة من أحد المحسوبين على الفكر السلفي المتشدد، ينصح فيها أنصار حقوق المرأة ومن يسميهم النسويين بالاستماع للكاتب لأنهم يقبلون منه أكثر من غيره، لكن الشيخ - هداه الله - في تغريدته بنقل الجزئية المتعلقة بالمهن التي رأيت أنها تعرض المرأة للأخطار الجسدية والمعنوية، وتحفظ قلمه ولسانه عن المهن الأخرى الأوسع والأشمل، أي أنه حاول دق اسفين بيني وبين بعض القراء.
لا أقول سوى الله يصلح أحوالنا وأحوالكم. العالم يتهددنا ويتناوشنا من كل الجهات وينصب لنا الفخاخ، وأنتم مستمرون في تصفية خلافاتكم الشخصية ولا يهمكم الإجماع على الهدف الأهم الذي هو الوحدة الوطنية والجنوح إلى السلم الاجتماعي حتى تمر العواصف من فوقنا بسلام، ثم بعد ذلك يكون لكل حادث حديث.