في مستهل عملي في التحليل المالي كنتُ أظن أن التزامن بين حدثَيْن يعني أن أحدهما مسبب للآخر. وكان يتأكد هذا المعتقد لدي بشكل أكبر عند تكرر الظاهرة مرات عدة. لا شك أن هذا مفهوم سائد لدى الكثير من المحللين الماليين والاقتصاديين عند محاولتهم فهم تعقيدات الأسواق المالية، ووضع توقعات لمجريات الأحداث في المستقبل. تعمل هذه الطريقة على اختزال المتغيرات، وتبسيط الواقع بشكل كبير جدًّا للوصول لاستنتاجات معينة، ولكن - للأسف - إن هذا المفهوم غير دقيق في كثير من الأحيان. يقوم حقل الاقتصاد القياسي على المساعدة في حل هذا اللبس الظاهر من خلال بناء نماذج مالية واقتصادية، تعمل على تحديد ما إذا كان هناك علاقة سببية بين الأحداث، أو أن تزامنها مجرد مصادفة. هذا مفهوم ضروري جدًّا، يتوجب على كل محلل مالي أو اقتصادي أو صانع قرار فهمه؛ حتى لا يقع في أخطاء فادحة في بعض الحالات.
تقوم فكرة النماذج المالية والاقتصادية بشكل مبسط على عزل تأثير عامل معيَّن من بين كل العوامل الأخرى، وقياس مدى أهميته في التأثير على عامل آخر. فعلى سبيل المثال عند دراسة تأثير تحركات أسعار الطاقة على السوق المالي فإنه يجب عزل كل العوامل الأخرى المتزامنة مع تحركات أسعار الطاقة للقيام بتحليل دقيق لمدى تأثير أسعار الطاقة على أسواق المال. سنجد في كثير من الأحيان أن هذا الأسلوب من التحليل وذلك من خلال عزل العوامل المتزامنة الأخرى ينتج منها نتائج مختلفة جدًّا عن بعض التحليلات الأخرى المبسطة والسائدة في الكثير من التقارير المتداولة. لا شك أن التحليل المالي والاقتصادي يتطلب الكثير من الخبرة والتجربة للوصول إلى تحليلات وتوقعات دقيقة ومنطقية، ولكن التقدم العلمي والتقني يستوجبان تضمين المفاهيم المشمولة في الاقتصاد القياسي لتجنب الوصول إلى بعض الاستنتاجات المغلوطة. وبناء على ذلك فإنه يتطلب تطوير العديد من المناهج المقدمة في جامعاتنا، وكذلك تطوير خطط التدريب الموضوعة من قِبل العديد من الجهات؛ لتشمل دراسة مفاهيم الاقتصاد القياسي. في بعض الأحيان تكون المصادفة خيرًا من ألف ميعاد، ولكن هذا مصدر مخاطرة مرتفع جدًّا في التحليلات المالية والاقتصادية؛ وعليه فيجب تفاديه.
** **
سلطان بن عبدالعزيز التركي - عضو هيئة تدريس في جامعة الملك سعود