عبدالوهاب الفايز
مساء الأحد الماضي وضعنا معالي الأخ سليمان الحمدان، وزير الخدمة المدنية، أمام مشروع تحول كبير تعمل عليه الوزارة، وهذا المشروع إذا تكاملت مبادراته ومضى كما هو مخطط له، بحول الله، سوف يغير طبيعة الوظيفة العامة، والوزير الحمدان يرى أنه مشروع لـ (إعادة هندسة) الوظيفة الحكومية، حتى تواكب النقلة الكبيرة لمشاريع ومبادرات (رؤية المملكة 2030)، وحتى يتمكن القطاع العام من القيام بمسؤولياته الكبيرة التي تعظم قيمته المُضافة في اقتصادنا وفِي حياتنا، فهو الذي سوف يتولى الجهد الأكبر لإتمام مشروع التحول الكبير لمجتمعنا.
وزير الخدمة المدنية يرى أن التحديات التي أمام الوزارة عديدة، ويأتي في مقدمتها مركزية القرار في الوزارة، وتقادم نظام الخدمة المدنية، وتقادم أنظمة التوظيف، ومنها أيضا عدم تكافؤ فرص التوظيف أمام المرأة، وضعف استقطاب القيادات والتعاقب الوظيفي، وتأخر الخدمات الرقمية. رغم هذه التحديات التي وضع 18 مبادرة لمواجهتها، أكد الحمدان أنه على ثقة كبيرة بأن الوظيفة الحكومية سوف تكون بصورة جديدة (تغير الصوره الذهنية) عن العمل الحكومي.
ما يعزز ثقته هذه بنجاح مشروع التحول هو قناعته أن (موظف القطاع العام لا يقل إنتاجية وكفاءة عن موظف القطاع الخاص). وحالة المقارنة هذه يستخلصها من تجربة 25 عاما قضاها في القطاع الخاص، لذا قناعته هي أن موظف القطاع العام يحتاج: التمكين عبر التأهيل والتدريب، ويحتاج التسهيل لأداء المهام، وينتظر الحوافز. وهذا يعني في أولويات الوزارة هو: ضرورة الاهتمام بكل العوامل التي توفر بيئة عمل إيجابية.
أحد المسارات الضرورية لتغيير بيئة وثقافة المنظمة لتكون قادرة على (التمكين)، هو مسار تغيير مفهوم التعامل مع الموارد البشرية. لذا تم تغيير إدارات شؤون الموظفين في الوزارات لتكون إدارات متخصصة بالموارد البشرية. والمفهوم الحديث لإدارة الموارد البشرية ينظر للموظف على أنه (إنسان) يحتاج الفهم الدقيق لقدراته واتجاهاته، ولطريقة تفكيره ولأسلوبه في حل المشاكل وإدارة الصراع، أي انسان يجمع الاحتياجات والتطلعات والقدرات.
الوزارة وضعت ثقلها وجهدها خلف هذا المسار، وعملت على إعداد برامج التأهيل والتدريب لهذه الإدارات، فهي المدخل العلمي الضروري لإحداث التغيير، فهي أدوات التغيير الرئيسيّة التي تتولى حمل رسالة التمكين والتطوير وتطبيقها.
تمكين هذه الإدارات وتقويتها وإعطائها الصفة الاعتبارية الفاعلة في الهيكل الإداري للوزارات والهيئات الحكومية هدفه تجهيزها لتكون قادرة على إنجاح متطلبات النقلة الكبرى في الخدمة المدنية، وهي: (اللامركزية)، أي أن تكون القطاعات العامة هي المسؤولة عن شؤون مواردها البشرية من ناحية التعيين والترقية وتقديم الحوافز، والثواب والعقاب، أي إعطاء القطاعات الحكومية كافة الصلاحيات للتعامل مع مواردها البشرية. هذا الذي يفسر اهتمام وتركيز الوزارة الواسع على دور إدارات الموارد البشرية حتى تكون هي المنفذة لأنظمة وأفكار ومستهدفات وتصورات التوجه الجديد للوظيفة العامة.
انتقال عمل وزارة الخدمة المدنية من (المركزية) إلى (المشاركة)، تطور نوعي يستجيب لتحديات مجتمعنا وما ينتظره من القطاع العام، وأيضا يتماشى مع التطورات والتبدلات التي تحدث في مفهوم العمل، فاستمرار القطاع العام بنمطه القديم في تعامله مع الموارد البشرية ربما يجعلنا نواجه حالات سكون وحالة إحباط لموظفين يذهبون إلى مكاتبهم كل صباح متطلعين إلى تحقيق ذاتهم، ثم يكتشفون أنهم (غرباء) في بيئة عمل راكدة وغير مبدعة لا تلبي تطلعاتهم واحتياجاتهم الإنسانية والوظيفية!
الأستاذ سليمان الحمدان يقدم قصة نجاح جديدة في مسيرته الوظيفية، نجح في التحول السريع للطيران المدني، ونجح في هيكلة قطاع النقل وتوجيهه للاتجاه السليم.. والآن يقدم مؤشرات النجاح الأولى في مجال حيوي لاستقرار مجتمعنا.