أمل بنت فهد
لو افترضنا أن أحدهم يهمك رأيه، وكل ما يصدر منه يكسر مجاديفك، ويدمر معنوياتك، ويضخم حماقاتك، ويجلدك بالقول ليل نهار، يحتقر أفكارك، يغض الطرف عن جمالك، ويبرز عيوبك، حتى جسك وخلقتك لا تسلم من سخريته، أتراك تظن أنه يحبك أو يهتم لأمرك؟
قطعاً ستكون الإجابة: لا، بل هو معول هدم يضرب كرامتك، ويهين قدراتك، ولن تجد له عذر أو سبب، عدا أنه خُلق ليدمرك، إنه يكرهك ويراك عار وفضيحة.
ماذا لو كان ذاك المهووس بتدميرك هو أنت نفسك، من يصدق أنك تفعلها دون أن تنتبه!
فأنت حين تعتقد أنك لست بمستوى يؤهلك لتكون جميلاً، أو ناجحاً، أو تستحق ما تريده، فأنت تفعل بنفسك ما لم يفعله عدوك بك.
حين تشكك في محبة الآخرين لك، كأن الحب وهم، فأنت تحتقر ذاتك، وإلا ما الغرابة في أن يحبك أحدهم! والأعجب أن تتهم مشاعره لأن لديك أزمة ثقة في الآخر، والحقيقة أن ثقتك باستحقاقك للحب مهزوزة، وتظن أنك لست كفؤ، ولديك سؤال خفي بداخلك، عن مبررات الحب الموجه إليك! وإلا لكنت سعيداً بتلك المشاعر، وتتلقفها بنشوة، ولا تعلق ذلك على تجاربك التي لم تثمر، لأنك حين تؤمن بأحقية المحبة، ستكون ملك يدك، ستقبل المشاعر وتتجاوب معها دون نكد السؤال، وهاجس الأبدية.
وحين تنظر لعيوب جسدك، وتفقد الأمل في تغييره، كأنه شيء تتمنى الخلاص منه، وتشمئز من نواقصه، فأنت تدمر أي محاولة منه للتحسن، لأنك عدو جسدك الأول، لم تنظر إليه بعين الحب، والامتنان لامتلاكك جسد أقل ما يمكن أن تقوله عنه إنه تحمل عاداتك السيئة، وغير الصحية، وأنه تحمل سنوات من الإهمال، ولا يزال يعطيك من الفرص ما لا تعد، على أمل أن تلتفت إليه قبل يشيخ أو يدكه المرض.
وحين عزوفك عن تعلم مهارات جديدة، أو تزويد عقلك بقراءة عميقة، فأنت تحارب يقينك، بل تعتقله في ظلمة الجهل، وتعطل أعظم معجزة منحت لك، معجزة العقل الذي لا يعيش دون اطلاع، ولا يمل من البحث، واسأل طفولتك التي تسأل في الدقيقة ألف سؤال عن كل شيء، أين ذهب ذاك العقل المتسائل، وكيف شاخت فيه رغبة المعرفة، لماذا قبل بالأفكار المعلبة والجاهزة! هل لأنه يثق بقوته، أم أنها دلالة صريحة على احتقارك له!
حين أقول لابد أن تحب نفسك، فإني أعنيها بكل ما تعنيه أنت حين تتحدث عن آخر تريده أن يحبك، اطلب ذات الحب من نفسك لنفسك، روح تتوق للسعادة، وتعتبر المحبة استحقاق ليس بغريب عنها، وضمير متفهم لعثراتك، واحتواء في أحلك الظروف، وفي أشد الانشغال، كل ذلك منك إليك.
إذا فعلتها يصلح ما بعده مع الآخرين، فلا تطلب من الآخر أمر عجزت عن تقديمه لنفسك.