محمد آل الشيخ
في تقديري إن أهم التحديات التي تواجه الوطن الآن هي بالدرجة الأولى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والشابات، كما أن هذه المعضلة التي تتزايد مع مرور الزمن، لا يمكن مواجهتها إلا بالتركيز على تشجيع القطاع الخاص على إقامة المنشآت الأهلية الصغيرة والمتوسطة على وجه الخصوص؛ فهذه الاستراتيجية هي أقوى وأنجح الأساليب التي عرفتها المجتمعات المدنية المعاصرة لامتصاص البطالة بين المواطنين، وقد أشرت إلى ذلك في مقالات سابقة. وأنا ممن يرون أن متطلبات التراخيص الحكومية، والإيغال في إيجاد العوائق على تراخيص هذه النوعية من المشاريع الأهلية كانت من أهم الأسباب والمبررات لعزوف الشباب العاطلين عن إقامة مشاريع صغيرة ثم متوسطة، من شأنها احتواء إشكالية عدم وجود الوظائف في أسواق المملكة، خاصة وأن هناك ما يُقارب أكثر من مائة ألف يد عاملة جديدة تدخل إلى سوق العمل كل عام جديد.
والسؤال الذي أطرحه ويطرحه كثيرون من الشباب: ما فائدة هذه الإجراءات المتشددة في شروطها ونحن نعاني من تفاقم هذه المشكلة وارتفاع معدلاتها؟.. وأنا هنا لا أعني جهة بعينها، وإنما كل الجهات الموكل إليها إصدار التراخيص، فهم بدلا من أن يسهلون ويشجعون أصحاب المنشآت الصغيرة، (يتفنون) في تخويفهم ووأد مشاريعهم بما يضعونه من اشتراطات تشعر أنهم يفترضون في المستثمر الخداع. فأغلب هذه الجهات لا تكترث بتسهيل الإجراءات التي تهدف إلى خلق فرص جديدة في الأسواق، والتشجيع على الاستثمار، قدر ما يضعون من المتطلبات والشروط ما يفقد الشاب حماسه، وكأن هذه الشروط ما وضعت إلا لكي يكون مشروعه أقرب إلى الفشل منه إلى النجاح، الأمر الذي يجعله يخاف من الفشل، فيترك التفكير بمشروعه الخاص، وينضم إلى طوابير الباحثين عن (وظيفة). وغالبا ما يقول المسؤولون عن العمل في المملكة أن الفرص التجارية الصغيرة يشغلها الأجانب، وكذلك من يتسترون عليهم من السعوديين. وهذا صحيح إلى حد كبير، إلا أن الجهات الحكومية بقيودها واشتراطاتها والإجراءات ومتطلبات التراخيص ما يجعل المواطن يجد أن (التستر) أسلم من أن يخاطر برأس ماله، وينتهي إلى الفشل، فالبروقراطيون العاملون في الوزارات الخدمية لا يهمهم ولا يكترثون بالبطالة، قدر ما يهمهم (التشدد) في تطبيق النظام، وأقولها بمنتهى المباشرة والوضوح: إذا لم يتم مراقبة الموظفين (المتشددين) بنفس الدرجة من مراقبة البيروقراطيين (المفرطين) فستظل المنشآت الصغيرة والمتوسطة غائبة غيابا شبه تام عن الإسهام في حل مشكلة البطالة.
كل ما أريد أن أقوله في هذه العجالة أنه بدون تسهيل إنشاء المنشآت التجارية ذات رأس المال الصغير والمتوسط، فلا تنتظروا حلا للبطالة ففي كل بلاد العالم، حتى الدول الصناعية الكبرى فإن أفضل الطرق لحصار تفاقم معدلات البطالة قبل تقليلها تبدأ من تشجيع وتسهيل وتيسير التراخيص الحكومية.
إلى اللقاء