«الجزيرة» - سعود الشيباني:
كشف صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور العميد فيصل بن محمد بن ناصر بن عبدالعزيز عن سر تحول دعاة التكفير والتفجير في الآونة الأخيرة إلى حاملي ألوية الحرية والتسامح والحقوق العامة ليصبحوا نشطاء حقوق وسياسيين يستعطفون الشعوب والمنظمات.
وأوضح الأمير فيصل بن محمد خلال محاضرة ألقاها بجامعة الملك خالد بعنوان «الإرهاب الجديد»، والتي ألقيت ضمن ملتقى الأمن الفكري الأول: إن هذا التحول غير العادي في خطاب قادة ومنظري الفكر الحركي في وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا قرينة واضحة على استغلالهم شعارات الحقوق والحريات، كما استغلوا شعارات الدين في الماضي، كما أنه دليل على انضمامهم إلى منظمات الإرهاب الجديد والذي يقوم بتحريك المظاهرات الصاخبة والتي تتسم باشتراك كل طوائف المجتمع وأديانه واتجاهاته الفكرية بما فيهم جماعات مدرجة في قوائم الإرهاب للمطالبة بحقوق عامة. إضافة إلى كونها مظاهرات بلا توقف حتى تحقيق هدفها وهو إسقاط الدولة وتغيير الأنظمة.
وبيَّن الأمير فيصل بن محمد أن تلك المظاهرات وإن كانت في دول تسمح بها مراعاة لحرية الرأي والتعبير إلا أنها تخالف القوانين كما نشاهده على الشاشات من حرق وسلب ونهب وفوضى. وتكمن خطورتها إنها لا توجه لكل دول العالم؛ بل لدول معينة اتخذت مواقف من قضايا دولية. وهذا يدل على الانتقائية، والتي تقودنا إلى نظرية المؤامرة وتصفية حسابات دولية عن طريق ذلك الأسلوب. كما أنه لا يوجد لتلك الجماعات الثائرة قيادة معروفة بل يتم توزيع أوامر التحرك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وما إن تبدأ مظاهرة حقوقية صاخبة تتبعها مظاهرات حقوقية فئوية. وتطرق الأمير الدكتور العميد فيصل إلى دور الإنترنت العميق والمظلم في ازدهار المنظمات الإرهابية (السيبرانية) واستغلاها للخدمات الهائلة والسرية التي قدمها لها الإنترنت الخفي والمظلم، وهذا ما قاد العالم اليوم إلى تنظيم إرهابي عالمي جديد يستهدف إلحاق الأذى بالبشر على اختلاف أديانهم وأماكنهم، حيث تحدث الفلاسفة في نهاية القرن الماضي عن صراع الحضارات، وظهر اليوم متغير جديد على الساحة وهو أعداء الحضارات وهم عبارة عن مزيج بشري من الساخطين والمحبطين والخارجين عن القانون يرفضون الواقع الحضاري في العالم، تمكنوا من خلال مزايا العمل في الإنترنت المظلم في تكوين روابط قوية وسرية بين المتعاطفين معهم في كل دول العالم من خلال قوانين صارمة واقتصاد رقمي متين، ويتسمون بالآتي: يجمعهم الإلحاد، والفوضوية والمطالبة بالحريات والحقوق المطلقة، وطلب حق تقرير المصير للشعوب بعد انهيار الحكومات. بدأت في أوروبا في القرن التاسع عشر وتظهر بعدها في أوقات الأزمات الدولية المتعاقبة؛ ومن إفرازات الربيع العربي خرجت جماعات فوضوية عربية وارتبطت بغيرها لتحقيق غاية عالمية وليست محلية، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه مرحلة الحقوق والحريات والتي يميزها كونها عالمية، حيث إن هناك حقوقًا اعترفت بها الأديان والقوانين وكذلك الحريات الطبيعية والمعتادة التي ألفها البشر في كل مكان، إضافة إلى الحقوق التي اعترفت بها الأمم المتحدة وجعلتها معياراً تقاس به درجة احترام حقوق الإنسان في الدول ووقعت الدول عليها، وليست كرفع شعار الخلافة أو تطبيق الشريعة أو الجهاد في سبيل الله الذي يخص المسلمين فقط، إضافة إلى استغلالهم بأن الحقوق والحريات تحظى باحترام الإنسانية جمعاء، لأنها تهم جميع العناصر والطبقات والأقليات والأعمار... وهي وسية الضغط الرئيسة التي تمارسها دول أو منظمات حقوقية ضد أخرى، وبالتالي يحظى الناشط الحقوقي الذي يدافع عن الحقوق بمنزلة يحظى بموجبها الدعم والتأييد بدلاً من مطاردة الإرهابي المجرم. كما أنها متجددة وكلما تطور المجتمع تظهر حقوق جديدة ومطالبات بحريات أكبر ولا اعتبار هنا لطبيعة الدول ديموقراطية كانت أم شمولية... واستطرد سموه موضحاً بأن دور التنظيم الإرهابي العالمي الجديد في مرحلة الحقوق والحريات يتضح في إدخال مبادئه الفوضوية الإلحادية، وبث روح التمرد في الشعوب ضد الحضارات القائمة، محرضاً على تغيير الواقع، مستغلاً الظروف الدولية ومساحات الحرية في بعض الدول لإذكاء مظاهرات صاخبة وشغب غير منضبط مستغلاً حالة الغضب لدى اتباعه ومن يعاونهم، وأن أهدافه الحقيقية تتضح فيما ينشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وهي تقسيم المجتمع إلى حكومة ومعارضة (موحدة) تشمل جميع الشرائح والطوائف والمناطق وبالتالي التمهيد إلى ثوراث شعبية تطالب بحقوقها، إضافه إلى تشويه الرموز، ويبرز ذلك من خلال التركيز وتضخيم الأخطاء لولاة الأمر ونشر الشائعات والأكاذيب التي تهز الثقة بين الشعب والحاكم وطمس المنجزات، وإبدالهم بأنداد يتم صناعتهم والترويج لهم بكل الوسائل الممكنة رافعين شعارات المظلومية. كما أن أحد أهم أهدافه نشر ظلامية المستقبل ونشر اليأس والقلق في المجتمع بإيراد ما يشكك بأن الحكومة فاشلة وستقود الدولة للانهيار بدلاً عن التفاؤل لينتج فيما بعد غضب وفتن وأن الجمعيات الحقوقية المحلية تحقق الرفاه للإنسان. وختم سموه محاضرته بضروره النظر والتأمل إلى واقع الشعوب والدول التي انجرف شبابها إلى تلك الشعارات وساهموا في تدمير أوطانهم.