عماد المديفر
كثيراً ما نرى الباحثين وقد عكفوا على دراساتهم، فانصرفوا بها عن حضور العديد من الفعاليات العلمية في مجال الاختصاص، أو قريب منه، ومتقاطعٌ معه، إنْ بداعي كسب الوقت، والتركيز على أداء أعمالهم وواجباتهم الأكاديمية، والانكباب على كتبهم ومراجعهم، أو بحجة ما قد يترتب على حضور بعض الفعاليات من تكاليف مالية، خاصة إن كانت دولية تتطلب السفر، فيعتقدون بضعف جدوى صرف تلك المبالغ، أو ظناً منهم أن ليس باستطاعتهم تقديم شيء ذي قيمة علمية، ناهيك عما إن كان هذا الباحث أو ذاك لم يحدد أصلاً مشكلته البحثية، ولا حتى إطارها العام؛ الأمر الذي قد يجعلهم يشعرون بأن حضورهم لربما بدا محرجاً؛ فيفوتهم بذلك تحقيق العديد من الفوائد والمكتسبات الغنية، والمركزة، والتي يندر توفرها بكفاءة ووقت وجيز، كما هي في الفعاليات العلمية المتخصصة.
وسواء أكانت مؤتمرات، أو ندوات، أو مناقشات للرسائل، أو حلقات نقاش وورش عمل وغيرها؛ فإن مجرد حضور أي منها يسهم بشكل فاعل في تطوير المهارات البحثية لدى الباحث، من عدة أوجه؛ ليس أقلها زيادة المعرفة، والاطلاع عن كثب على آخر ما توصل إليه العلم في ذات المجال، وطرق وأساليب وأدوات جمع وتحليل وقياس البيانات التي تم اتباعها، والنتائج الحديثة التي جرى استخلاصها من تلك البحوث والأوراق العلمية، وتطبيقات تلك الدراسات والتجارب، واتجاهات الأبحاث المستقبلية، وما يفتحه ذلك من آفاق، ومشكلات بحثية حديثة تتطلب المزيد من الدراسة وسبر الأغوار. عدا عن التعرف على عدد من كبار الأكاديميين والباحثين، والتحدث معهم، وتبادل المعلومات، وطرح التساؤلات، وسماع الإجابات، والمناقشة بشكل مباشر، وتوطيد العلاقات بهم، الأمر الذي يعود بالفائدة على الباحث بغض النظر عن خبراته، ودرجته العلمية، إن بشكل فوري، من خلال ما ذكر أعلاه، أو مستقبلي، إذ قد تفتح مثل هذه اللقاءات التي تتم على هامش الفعالية العلمية؛ الفرص لتعاونٍ أو مشاركات بحثية قادمة، ولربما وجد الباحث داعماً أو ممولاً لأحد تلك المشاريع العلمية الجديدة التي تمخضت فكرتها عن تلك النقاشات والأحاديث الجانبية بين الباحثين.
بيد أن على الباحث النبيه التخطيط المسبق، والإعداد الجيد، قبل قرار الحضور، ليتمكن من استثمار ذلك على الوجه المأمول؛ كأن يفاضل بين الفعاليات، ليختار الأقرب لتخصصه واهتماماته، والأكثر تميزاً من حيث أهمية الموضوعات المطروحة، والباحثين المشاركين. ومن ذلك أيضاً؛ تحديد الأهداف التي يطمح لتحقيقها، وترتيب جدوله، لا سيما إن كانت الفعالية مؤتمراً علمياً قد يشغل المتحدثون فيه أكثر من قاعة في ذات الوقت، وأن يحرص أن يكون حضوره فعالاً وملموساً، وأن يُعرِّف بنفسه، ويطرح الأسئلة المفيدة، بالإضافة إلى الانخراط في الفعاليات الاجتماعية المصاحبة، فهي الطريقة الأنسب، ربما، والأكثر أريحية، لبناء العلاقات والصداقات مع العلماء والباحثين، وسط أجواء من المتعة والاسترخاء، بعيداً عن الرسميات. إلى اللقاء.