أحمد المغلوث
قبل عقود كتبت تقريرًا نشر في حينه في الصحيفة التي كنت أعمل فيها سابقًا. حمل عنوان (لماذا نكتب؟) وبعدها بأيام خرجت صحيفة فرنسية شهيرة بتحقيق موسع حمل ذات (العنوان) واتصل بي رئيس التحرير أيامها مشيدًا بما كتبته ومشيرًا إلى ما كتبته الصحيفة الفرنسية معتبرًا أن ذلك توارد خواطر؟! ولن أعيد ما جاء على ألسنة من استضفتهم في التقرير وكانوا من مشاهير الأدب والثقافة والإعلام في المملكة. ولكن في المجمل كانت هناك دوافع نفسية دفعتهم جميعًا إلى الكتابة. هذا العشق الدائم الذي يسرى كمجرى الدم في الأوردة والشرايين الذي جعل الكثيرين من عشاق الحرف في العالم يواصلون الكتابة وهم على أسرتهم ومرضهم ورغم ذلك واصلوا الكتابة حتى آخر لحظة من حياتهم.. ومرة قرأت عن أديبنا الكبير (أحمد قنديل) رحمه الله الذي كان يعد ويكتب حلقات البرنامج الرمضاني «قناديل رمضان» في مرحلة التلفزيون الملون وقد أدركته الوفاة وهو يكتب الحلقة الأخيرة من هذا البرنامج الشعبي وتوفي عام 1399هـ في جدة.. وجميعنا يذكر معالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله ورغم معاناته من مرضه فكان يكتب خواطره ويجسد مشاعره فكتب عن حبه لزوجته كتابة تمثل تجسيدًا لوفاء وحب الرجل السعودي لزوجته، وهو وفاء مستحق للمرأة التي رغم أعباء السنوات، وهموم الواجبات، تسلحت بإرادة تشق الجبال، لتكون خير معين لزوجها ومصدر الإلهام والسراج الذي يضيء العتمة، وفي حينه علق البعض على أبيات «حديقة الغروب» التي كتبها أبا سهيل عن زوجته الوفية والمحبة شعرًا يعج بالكثير من العواطف والتفاصيل المليئة بالحب والوفاء والجمال، والإدراك بأهمية ومكانة المرأة في حياة الرجل، حيث إنه وبعد ذبول الشموع وتشتّت الأصحاب، لا يبقى للرجل سوى زوجته التي تتقاطر كالندى، وهو ما عكسته أبيات غازي القصيبي التي كانت مليئة بشغفه، وولهه برفيقة دربه، إِذ دلت كلماته على رغبة جامحة في أن تدرك هي أيضًا ذلك، ويدرك من يقرأ الأبيات هذا الشغف.. وهكذا نجد أن الكتابة هي قبل وبعد حياة لصاحبها. حياة تتجدد كل يوم مع إشراقة نور الصباح، الكتابة، الحب والعشق، وحتى الإدمان ما هي إلا كينونة الأشياء، النزف المثير والمدهش الذي يجعل صاحبها يكتب أحيانًا دون مقابل. ملايين من الكتاب في العالم يواصلون الكتابة من خلال بريد القراء وغيرها من الزوايا في الصحف والمجلات ومثلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يكتبون لا من أجل المال ولكنهميعشقون هذه الكتابة لأنهم يشعرون بأنهم يعيشون وموجودون في هذه الحياة فالكتابة بالنسبة لهم حياة وخلق جديد ونوع من التعبير الذي يغوص في أعماقهم ويستخرج فعلهم الإِنساني والاجتماعي وقبل هذا الوطني.. والأمل أن يحس البعض بهم وبنبض الحياة فيما يبدعونه مثلهم مثل من يرسم لوحة عشقه أن يشاهدها الناس كل الناس فهي جزء منه، وماذا بعد الكتابة العشق والحياة، هي جزء من كيان الكاتب المبدع، أكان كاتبًا أم شاعرًا أم روائيًا، وبفضل الله تزخر بلادنا كل بلادنا بمن يعشق ذلك وأكثر من ذلك..؟!