أ.د.عثمان بن صالح العامر
أحياناً يأخذ البعض منا بهذه المثاليات دون أن يلتفت للخلفيات التي يجب أن تبني عليها فيضع نفسه في حرج ويسيء لها من حيث لا يعلم، ومن هذه المُثل ما نسمعه كثيراً من أنك أيها الأب يجب أن تكون صاحباً وصديقاً لابنك حين يجاوز البلوغ، وقس على ذلك الأم مع ابنتها، وهذه القاعدة التربوية صحيحة إذا كان الأب -وهو المفترض والأصل- قدوة صالحة لابنه وأنموذجاً مثالياً في سلوكه، وإلا من الأفضل ألا تكون هذه الصداقة التي غالباً ستجلب الضرر عاجلاً أم آجلا.
أذكر أنني سمعت يوما ما حكاية ذات دلالة عميقة ولها مغزى قوي، لا أدري متى ولا أين ولا ممن سمعتها، لا يهم، المهم أن فيها درسًا يجب أن نلتفت له ونعيه حين نصادق أبناءنا بعد أن كبروا.
تقول الحكاية إن هناك رجلا مهيبا في بيته مطاعًا حين يأمر، مجابًا عندما ينهى، مصدقًا فيما يقول، مسلمًا بما يفعل، وفِي يوم ما وجه دعوته لخاصته من أصدقائه لتناول طعام عشاء ببيته وطلب من ولده الأكبر أن يحضر هذه المناسبة ليقوم بخدمة مدعويه، وبالفعل كان الولد في استقبال الأصدقاء الذين كثيراً ما سافروا مع هذا الأب ويعرفون خصوصياته وسلوكياته الماضية منها والحاضرة، وما أن اكتمل الجمع وبدأت السهرة تحلو حتى صار تقليب الصفحات وسرد الحكايات مع لعب البلوت التي صاحبها اللعن والسب والشتم والتعيير، وكذا تقليب القنوات بشكل فيه إسفاف، والمزاح الفاضح الذي تجاوز فيه أصدقاء المراهقة الحدود التي يجب أن تكون، وإذ بالأب يتعرى أمام ولده بصورة لم يكن يتمناها الولد ولا الوالد، بعدها تغيرت اللغة وتبدل الحال وصار الولد لا يكترث كثيراً إزاء نصائح وإرشادات والده، أحس بذلك الأب وندم على كشف أوراقه وفتح ملفاته الماضية التي طواها الزمن مع أصدقاء المراهقة وسنوات الشباب بحضور هذا الابن الذي استغرب من ازدواجية شخصية أبيه -هكذا تصور-.
إن من الخطأ أن نعطي إيحاء للأبناء أننا ننتمي إلى المدرسة المثالية التي لا وجود لها إلا في خيال الفلاسفة ولوحات الفنانين، ندعي أننا الشخصية الفاضلة الخالية من العيوب البشرية إطلاقاً فضلاً عن أن نتقمص هذا اللون من الشخصيات، أننا معصومون من الخطأ والزلل والنسيان فنحن أولاً وأخيراً أناس يجري منا مثل ما يجري من بني آدم عامة، ولذلك لا بد من الواقعية في النظرة لأنفسنا وإيصال هذه الصورة للأبناء.
كما أن من الأصلح ألا نزج بالأبناء في مثل هذه الجلسات الخاصة المفتوحة حتى لا يكون لنا مثل ما صار مع صاحب هذه الحكاية، وإن حدث ذلك فلا بد أن يكون بعدها جلسة مع هذه الابن ومحاولة احتواء الموقف بطريقة ذكية يتم فيها التأكيد أن الأب هو الوحيد الذي يتمنى أن يكون ابنه أفضل منه خاصة في هذا الزمن الذي اختلف فيه الحال عمّا سبق إذ لا مكان فيه إلا للأقوياء علمياً ومهارياً وسلوكياً. حفظ الله لنا ولكم الأبناء والبنات وأصلح النية والذرية وإلى لقاء والسلام.