د. صيتة بنت فهد الغبين
(جمال الفكرة لا يظهره إلا جودة التنفيذ، سارقو الأفكار غالبًا لا ينجحون في تنفيذها، لأن الصورة لم تكتمل في أذهانهم..!).. شدتني هذه العبارة وشعرت بأنها تلامس شيئًا في داخلي هذه الأيام، ولكني أحب أن أضيف إلى ما قاله الأستاذ نبيل الرفاعي إن سارقي الأفكار لا يكتفون بعدم نجاحهم في تنفيذ الفكرة بل أنهم - للأسف - ينجحون في تشويهها وإخراجها بصورة مروعة، بل إن تأثيرهم يمتد لتشويه صاحب الفكرة ذاته وكأنهم ينتقمون لذواتهم البشعة من الآخر الذي يكشف عوار أنفسهم ومستويات تدني الرؤية لديهم لحقيقة ما يمتلكونه.
أحيانًا أتمنى لو عندي المقدرة بأن أندمج في تلك الأرواح، أن أدخل في أعماقها لأكتشف ما يشعرون به، ما الذة التي يجدونها وما نشوة الانتصار التي يستمتعون بها حينما ينقضون بنهم بشع على ما ليس لهم! ولكني أخشى ذلك، فمن اعتاد رؤية النقاء تؤذيه البشاعة وتخدش صفاءه الأرواح المشوهة، ولكن ما أنا واثقة منه تمامًا بأنني سأرى أرواحًا خائفة مهزوزة تحسب كل صيحة عليها.
علمونا ونحن صغار أن نخاف اللصوص، أولئك الذين يسرقون أشياءنا الجميلة من حلوى وألعاب وقطع نقود نخبئها في حصالاتنا الصغيرة وأن نستعين عليهم بالكبار, لكنهم لم يعلمونا بأن الكبار أيضًا يسرقون، ولكن ماذا يسرقون؟!
إنهم يسرقون أفكارنا وجهودنا وإبداعاتنا وإنجازاتنا ويفاخرون بأن ينسبوها لهم، لكنهم يغفلون عن حقيقة أنهم لن يتقنوا تنفيذها ولن يطيقوا الاحتفاظ بها كثيرًا.
سرقة الأفكار سواءً كانت علمية أو أدبية لم تعد شيئًا نادرًا بل أصبحت تعديًا واضحًا من البعض وعدم مبالاة بجهد الآخر أو احترام لفكره وقبل ذلك حقوقه، بل إنه يقود لمشكلات أعمق، منها الإنصاف في تفاوت الفرص بين المجتهد والسارق. وقد يستاء البعض من استخدامي لكلمة سارق في وصفهم ولكن هذا هو الواقع، فبماذا نصف شخصًا يملك الجرأة في أن يتطاول على جهود الآخرين وإبداعاتهم، وأن يضع العراقيل في وجههم ويقتنص الفرص ليسلبها منهم وينسبها لنفسه، وأن يضع نفسه في مصاف المتميزين وهو الذي تسلق على أكتاف الآخرين واستهان بأفكارهم وإبداعاتهم وعطائهم ومارس سلوكًا غير أخلاقي مرفوضًا دينيًا ومهنيًا وأخلاقيًا، ناسفًا بأنانيته وحقده على الناجحين كل أعراف المهنية والمصداقية التي يتطلبها العمل المميز مما ينتج عنه خلق بيئة عمل هادمة وتأخر في التنمية الحقيقية وعدم تقدير لمبادئ التقدم.
لماذا يسرقون؟! سؤال يتبادر إلى ذهني دائمًا، لماذا يقفون كجدار ضخم في وجه أولئك المبدعين، ولماذا هذا التجاهل لصاحب العمل الحقيقي!
الإجابة بكل بساطة لأنهم فاقدون للثقة بأنفسهم وبعملهم، ولأن محصلتهم الإبداعية صفر، ولأنهم أنانيون لديهم أمية سلوكية مفرطة لا يمكن السكوت عليها، شديدو حب الذات متضخمو الأنا، مصالحهم متقدمة على مصلحة الوطن والمجتمع، فالفرد عندهم في أعلى درجات السلم، لا معايير أخلاقية تحدد أتجاهاتهم، أنانيتهم لا يمكن أن يرضيها وجود أحد آخر في المكان أو شريك في النجاح.
هذه السرقات نادرًا ما تحدث في البلدان المتقدمة التي تحكمها قوانين الملكية الفكرية، ولكنها - للأسف - سائدة في العالم المتأخر في مجال الحماية الفكرية وفي مجال مساواة الفرص، ولكن غياب هذه القوانين لا يعني غياب العدالة الإلهية حتى وإن تأخرت قليلاً لحكمة عند الله فسيكون هنالك يوم لن يندم أحد فيه سوى أولئك المتبجحين.
وطننا الحبيب مقدم على خطط تنموية عظيمة، وقيادتنا في حراك دائم لرسم خارطة طريق لمستقبل متقدم باهر، حتى تكون هذه الخطط والمشاريع واقعًا حقيقيًا يجب أن نوقف هذه السلوكيات والتي لو تركت سوف تسهم في تنمية التأخر، معايير منح الفرص يجب أن تكون حقيقية لا تستهين بالتفكير والعطاء والإبداع لمن يجعلون الوطن والمجتمع في مقدمة أهدافهم. وطننا عظيم وسيكون للمخلصين الذين يحملون في داخلهم تربية وطنية تستند على قيم وأعراف وأصول حقيقية دور كبير لبناء المستقبل، فقيادتنا الفتية تدرك تمامًا وتقدر أولئك الذين يحملون هَمَّ الوطن في قلوبهم أينما حلوا.