لم يكن للغرب أيّ حظوةٍ من نهضة أو حضارة حتى حدث ذلك الاحتكاك الكبير بينهم وبين المسلمين، فقد حدث هذا الاحتكاك على هيئة حملات صليبية تجمع فيها الأوروبيون من أوروبا الغربية واتجهوا صوب الشام أو الشرق، كما يُسمى عند مُؤرخيهم، ولقد تَعرَف الأوروبيون من خلال تلك الحملات على حضارة المسلمين العلمية والمدنية، ورأوا فن العمارة الإسلامي بارزاً من خلال بناء المساجد والمدارس النظامية والبيمارستانات والحمامات وغيرها، أدى ذلك الاختلاط إلى تغيير واضح في حياة أوروبا وعقليتها، وحدثت تلك الطفرة التي غيرت التاريخ بأكمله، حيث إن تلك المرحلة كانت فاصلاً بين ما يسمى عصور الظلام أو العصور الوسطى إلى عصر النهضة التي ابتدأت في إيطاليا في القرن الثاني عشر للميلاد ثم انتقلت إلى جاراتها إسبانيا وفرنسا حتى استقرت عند إنجلترا بعد ثلاث قرون، وقبل ذلك الوقت وتحديداً في عام 1488 حدث انقلاب كبير في موازين القوى، حيث تمكن البحار البرتغالي فاسكو داجاما من اكتشاف رأس الرجاء الصالح بمساعدة البَحَار المسلم ابن ماجد، وأدى ذلك الاكتشاف إلى إضعاف الاقتصاد الإسلامي المُتمثل في الدولة المملوكية، حيث كانت السفن الأوروبية تبحر إلى الهند عبر المعابر والمضايق الإسلامية، ومع مرور الوقت لم تلبث قوة البرتغاليين تضعف حتى أصبح الإنجليز أقوى أسطول بحري في ذلك الوقت.. ونظراً لتحول هذا العصر إلى عصر توسع ونفوذ بحري بعد أن كان عصر علم وتقدماً مدنياً، اصطلح على تسميته بعصر الاستعمار بعد أن كان يُسمى بعصر النهضة نظراً لتوسع الكشوفات الجغرافية، حيث أصبح الاستيطان واحتكار الأسواق التجارية الكبرى أحد أبرز تلك الدوافع الاستعمارية، خصوصاً بعدما توسع الإنتاج الصناعي بعد ظهور المحرك البخاري وانطلاق شرارة الثورة الصناعية التي ظهرت في بريطانيا في القرن السابع عشر، ورغم المحاولات الكبيرة التي قام بها المُستعمِرون للظفر بالأراضي الواسعة وتغيير الصبغة الاجتماعية للسكان إلا أنها قُوبلت بجهودٍ واضحة للدفاع عن هوية البلاد الإسلامية عن طريق الاتحاد ورأب الصدع إضافة إلى تحسين القدرات العسكرية والفنون الحربية، ومما أثمر عن ذلك هو قيام العثمانيين بفتح القسطنطينية أقوى وأحصن مدينة العالم آنذاك وذلك في عام 1453، ولكن نشوة هذا الانتصار الكبير لم تدُم طويلاً، حيث خسر المسلمون آخر مدنهم في الأندلس عندما سقطت غرناطة عام 1492 على يد فيرناندوا وإيزابلا ملوك قشتالة، استمر عصر الاستعمار وازدادت قوته حتى وصل الذروة في بداية القرن العشرين، حيث كانت أغلب البلاد العربية والإسلامية واقعة تحت نِيرِ الاستعمار خصوصاً بعدما سقطت الدولة العثمانية التي كانت حامية لبعض ولاياتها، ولم نتنه فترة الاستعمار الغربي للعرب حتى مغادرة آخر جندي فرنسي أرض الجزائر عام 1962.