كوثر الأربش
قبل كل شيء؛ النسوية حركة هشة ولا تمتاز بالذكاء مطلقاً. لذلك، هي أولاً لا تشكل خطراً حقيقياً، وثانيًا: لا يمكن أن تستقطب إلا ضعاف العقول والعاطلين والمُحبطين والمهمشين. أما لماذا وصفتها بالهشة، لأننا في زمن سائل. المشاريع التي لا تسرع في تجديد منتجاتها تموت. كل شيء يتقادم، ويعجز عن التطور مكانه مكب النفاية. كل شيء حرفياً. النسوية فكر محدود ومتناقض، والأهم من هذا كله غير موافق لما تريده المرأة فعلاً، ومن أعماقها. في عالم الأعمال - مثلاً - المنتج الذي يلبي احتياج الإنسان هو الذي يمتلك مستقبلاً حقيقيًا. لهذا وصفتها أيضًا بقلة الذكاء، لأنها حركة غير متعمقة في نفسية المرأة واحتياجاتها الحقيقة. ولأنها كُشفت بسرعة، قبل أن تتغلل في كل بيت، وقبل أن تستقطب أنصارها ومريديها. يمكنك أن تقارن بينها وبين الحركات الفكرية الأخرى التي تمكنت أن تتغلل في البيوت والمدارس والإعلام لعشرات السنين قبل أن ينتبه لها أحد. النسوية عكس ذلك. عمرها في السعودية مثلاً قرابة العامين فقط، ومع ذلك لقد تم القبض عليها في مهدها. حتى أنها أصبحت حديث عامة الناس وليس المنظرين والكتاب والنخبة المثقفة. وهذا يكشف هشاشة الحركة النسوية ومروجيها.
لكن ماذا عن رهف؟ ضحية أم جانحة؟ نتعاطف معها أو نلومها؟
في الوقت الراهن، لا يمكننا الجزم على تعرضها للعنف والاضطهاد من عائلتها، لكن دعنا نأخذ مسارين. المسار الأول: ماذا لو كانت ضحية؟. الثاني: ماذا لو كانت جانحة؟
قد تكون رهف ضحية، وهذا ليس جديداً على عالم النساء. كل نساء الأرض تحت احتمال الاضطهاد. وفقاً لتقرير للأمم المتحدة، بين عامي 2005 و2016، في 87 بلدًا، فإن 19 في المئة من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا، قلن إنهن تعرضن لعنف جسدي أو جنسي من قبل شركائهن. وأيضًا، تشير إحصاءات عام 2012، إلى أن نحو نصف النساء ضحايا القتل العمد، في جميع أنحاء العالم، قد قُتلن بيد شركائهن الحميميين أو أحد أفراد أسرهن، مقابل 6 في المئة من الذكور.
كما أن ألمانيا تصدرت البلدان التي تعرضت فيها المرأة للعنف الجسدي، بواقع أكثر من 30 ألف حالة، وأكثر من 25 ألف حالة اعتداء جنسي، ونحو سبعة آلاف حالة اغتصاب.
تلتها في القائمة فرنسا والسويد وبلجيكا. قد تكون رهف واحدة من نساء العالم اللواتي تعرضن للعنف والاضطهاد. وهذا يستدعي بالفعل التعاطف معها ودعمها من قبل مؤسسات الدولة المختصة في قضايا العنف فيما لو ثبت ذلك. لكن المشكلة كادت تنتهي عند هذا الحد، لو لم تقم رهف باستغلال قضيتها سياسياً ضد وطنها. وهنا بالتحديد فقدت تعاطف السعوديين، وبدل أن تصبح قضيتها مدعاة للدعم والمساندة، أصبحت وجهة للشتائم والبراءة والتحريض. ما زلتُ على افتراض أن رهف معنفة، لكني أجد المشكلة حين سقطت في بركة النسوية الموحلة. فأرادوا استخدامها كرصاصة تطلق في خاصرة الوطن. ولكن هيهات!
لو كانت رهف حرة، لتعاملت مع التعنيف والاضطهاد كمشكلة، كما تتعامل معها أي امرأة في العالم، كان يمكن اللجوء للجهات الرسمية وسوف تنصفها كما فعلت مع غيرها.
الاحتمال الثاني: أن رهف مجرد أداة في يد النسويات، تم استغلالها من أعدائنا في الخارج.
وهذا الاحتمال أقل كلفة وخطراً. ببساطة، لنستعيد ما قلته في بداية المقال، النسوية هشة، هشة، هشة..
تقول رهف في أحدِى لقاءاتها بعد هروبها: «أتوقع أن يزداد في المستقبل عدد الهاربات السعوديات».
وهذا بالطبع لا يعدو كونه إيحاءً و تحريضًا. وأبعد ما يكون عن التوقع. ليس كل السعوديات ناقمات، ضعيفات، وعديمات المسؤولية يا رهف. وبالأخص المراهقات وصغيرات السن. أريد أن أركز على أمر مهم قد يفوت البعض: الصغير في السن فاقد للخبرة وليس فاقدًا للعقل. فتياتنا في السعودية مثل أي فتيات في العالم، هناك درجات متفاوتة في الذكاء، الإرادة، الوعي، الإتزان، الطموح، المسؤولية. ولكن علينا فقط الاعتراف بهذا. أعني بأنه قد تحتوي الأسرة السعودية كأي أسرة في العالم على أفراد قد يرتكبون جنحاً أو يخطئون. وهذا ليس خطرًا. بل هذه هي تركيبة الحياة الطبيعية. الظلام والنور، الصواب والخطأ، الباطل والصالح.
ستذهب قضية رهف أدراج النسيان، مثلها مثل أي فرقعة إعلامية أخرى. وستبقى بناتنا ومجتمعنا السعودي في مأمن من اختراقات هذه المجموعة الساذجة المسماة بالنسوية. لكن علينا أن نتذكر دائمًا، أنه لابد من التعامل مع الصغار على أنهم أقل خبرة وليس أقل ذكاء. علينا أن نوفر لهم كل مصادر الوعي. كل الرعاية، كل الحب. بهذا يصبحون أكثر فاعلية، وأكثر قوة في مواجهة أي من عوائق الحياة.