د. أحمد الفراج
ربما لم يدر في خلد الرئيس ترمب أن قراره المتسرع بسحب القوات الأمريكية من سوريا سيجلب له كل هذا الصداع، فهو اتخذ القرار، دون استشارة الخبراء والجنرالات الكبار، وكان المتوقع أن يستفيق الرئيس على وقع استقالة جنرال بحجم وزير الدفاع، جيمس ماتيس. هذا، ولكن نرجسيته وعناده تسيطران عليه، وبالتالي تحدث بكل ثقة، وقال: إن «داعش» قد تمت هزيمته، وهو الأمر الذي استفز أخطر التنظيمات الإرهابية، فقام بعملية مميتة، توفي وأصيب على أثرها جنود أمريكيون، وترمب يغالط نفسه، ويتجاوز المؤسسات الرسمية، فمثل قرار الانسحاب يفترض أن يكون الرأي الأخير فيه لوزارة الدفاع، وأجهزة الأمن والاستخبارات، وليس للرئيس، الذي لا يملك أي خلفية حول الإستراتيجيات العسكرية، ولا حول متطلبات الأمن القومي الأمريكي.
يصعب على أي معلق أن يتفهم بعض قرارات ترمب، فهو أجرى اتصالاً هاتفيًا مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يطمح بأن تخلو له الأجواء، ويحلم برحيل القوات الأمريكية وابتعادها عن طريقه، ويبدو أنه استغل جهل ترمب بتعقيدات الوضع في سوريا، ورغبته في الانسحاب، فأقنعه بأن يفعل ذلك، على أن تتكفل تركيا بملاحقة «داعش»!، وكأن هذا هو السبب الوحيد لوجود قوات أمريكية على أرض سوريا، ثم اتخذ ترمب قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا، دون استشارة أصحاب الشأن، إِذ إن هناك ترتيبات زمنية محددة لوجود هذه القوات، وأهداف يتوجب تحقيقها، وهذا ما أشار إليه المبعوث الأمريكي لمحاربة «داعش»، بريت مكقرك، الذي استقال بعد يوم واحد من قرار ترمب الكارثي، على خطى وزير الدفاع ماتيس.
ترمب في وضع سيئ الآن، وهذا يفسر صمته بعد حادثة التفجير، فهو خسر أهم أركان إدارته، الجنرال ماتيس، وهي خسارة ما زلت أكرر بأنها فادحة بكل المقاييس، وجاءت الحادثة لتثبت خطأ قراره المتعجل، وليس هذا وحسب، فقرار الانسحاب لم يدعمه من الساسة المعتبرين إلا السيناتور راند بول، وهو يميني متطرف وقومي، لا يؤمن بأهمية الدور الأمريكي عالميًا، ولا بالحلفاء، أما بقية الجمهوريين من العيار الثقيل فهم ضد قرار الانسحاب، حتى قبل حادثة التفجير، مثل السيناتور لينزلي قرام، الذي يرى بأنه قرار كارثي، ثم بعد حادثة التفجير، زاد يقينهم بأهمية بقاء القوات الأمريكية في سوريا، الذي تتطلبه مصالح أمريكا وأمنها القومي أولاً، ومصالح الحلفاء في المنطقة ثانيًا، وسيكون هناك تطورات لافتة خلال الأيام المقبلة بكل تأكيد، وسنواصل الحديث حول ذلك، وحول احتمالات رحيل القوات الأمريكية من سوريا!.