د.عبدالله بن موسى الطاير
انتخب الكنديون عام 2011 حزب المحافظين بأغلبية 188 مقعداً في مجلس العموم الكندي، وأبرمت تلك الحكومة التي كان يرأسها ستيفن هاربر عقد تسليح لصالح المملكة هو الأكبر في تاريخ كندا وذلك عام 2014م. وبمقتضى العقد الذي تقدِّر بعض الصحف قيمته بنحو بـ14.8 مليار دولار كندي (19.8 مليار دولار)، تحصل المملكة على عربات مدرعة خفيفة تصنعها شركة جنرال ديناميك. السعوديون وضعوا شرطاً جزائياً على كندا قيمته نحو ملياري دولار أمريكي، يلتزم به من يتراجع عن العقد.
قرَّر الناخبون الكنديون أن يغيِّروا الحزب الحاكم في انتخابات عام 2015م، حيث فاز الحزب الليبرالي برئاسة جستن ترودو، وبأغلبية في مجلس العموم قوامها 188 مقعداً في قفزة مفاجئة وسط تراجع حاد للمحافظين. ومعلوم أن رئيس الوزراء الكندي الحالي يتمتع بشعبية كبيرة ويحمل ملفات مثيرة لنبض الشارع متعدِّد العرقيات، ويرفع كغيره من القادة الشعبويين شعارات خالبة للألباب، وبخاصة في مجال حقوق الإنسان وتبني خطاب الهيئات الأممية العاملة في هذا المجال. ومن الطبيعي أن يتبدل موقف الحكومة الكندية المنتخبة من صفقة مبيعات السلاح للمملكة من أجل تحقيق الوعود الانتخابية للحزب الليبرالي الحاكم.
لقد بيتت حكومة جستن ترودو النيَّة منذ أيامها الأولى لتعطيل هذه الصفقة ولكنها خشيت أن تصطدم بالشارع الكندي لما تمثِّله من أهمية بالغة للاقتصاد المحلي المتهالك. ومن سوء طالع الحكومة الليبرالية تزامن رغبتها في إلغاء صفقة التسلّح السعودية مع إغلاق مصنع جنرال موتورز الذي سيؤدي إلى فقدان أكثر من 2500 مواطن كندي في جنوب أونتاريو وظائفهم، إضافة إلى الأثر الكبير على الاقتصاد المحلي الذي ازدهر بوجود المصنع الأمريكي.
هذا التوقيت السيئ جعل الحكومة الكندية بين خيارات سيئة؛ فتعطيل الصفقة سوف يؤدي إلى تسريح نحو 3000 موظف في مدينة لندن الكندية التي تعاني من وضع اقتصادي سيئ جداً. وبذلك تزداد مصاعب الحزب الحاكم مع البطالة وسيؤدي ذلك إلى خسارة كبيرة للحزب في انتخابات هذا العام 2019م. كما أن حزب الديمقراطيين الجدد الذي يحل ثالثاً في مجلس العموم استغل فرصة عدم قدرة الحزب الحاكم على تعطيل الصفقة وأصبح ينافسه على الناخبين نفسهم، وبذلك زادت حدة التوتر داخل أروقة الحزب الحاكم. فإيقاف صفقة التسلّح لن تحرم الاقتصاد الكندي من نحو 19.8 مليار دولار أمريكي فحسب وإنما ستدفع الحكومة من خزينتها 2 ملياري دولار للسعودية.
الخشية من خسارة القاعدة الانتخابية جعلت الحزب الحاكم يغامر بتعطيل الصفقة ولكنه لا يستطيع دفع الغرامة، وبذلك فإن أفضل الخيارات هو دفع المملكة لإلغاء الصفقة من طرفها بحيث تتحمّل الغرامة وتكسب كندا 2 ملياري دولار وتتخلص من صفقة تسلح سوف تتسبب في خسارة الحزب الحاكم الانتخابات هذا العام.
أمام هذه الحقائق يمكن لنا تفسير تغريدة وزيرة الخارجية الكندية كرستينا فريلاند التي أدت إلى قطع العلاقات مع كندا، وتمسك المملكة رغم ذلك بالصفقة. ويمكن لنا أيضاً تفهم اندفاع الحكومة الكندية لاستضافة المراهقة السعودية التي لجأت إلى كندا واستقبلتها وزيرة الخارجية ذاتها في المطار. كل هذا المحاولات الاستفزازية هدفها أن تضيق المملكة ذرعاً بالتصرفات الكندية وتلغي صفقة التسلّح من قبلها فتكسب كندا الغرامة، وتتخلّص من عبء الصفقة التي تتعارض مع مبادئ الحزب وقيمه والتزاماته تجاه حرية التعبير وحقوق الإنسان.
المملكة تحاول جاهدة أن تتحلَّى برباطة جأش كبيرة أمام الاستفزاز الكندي، وأعتقد أنها سوف تصمد ليس رغبة في السلاح الذي يمكن توفيره من مصدر آخر وبكلفة أقل، وإنما لكسب ملياري دولار هي بكل تأكيد حق سعودي لو حصل الإلغاء من الطرف الكندي. إن من يتوقّعون أن كندا قد تحركت في موضوع رهف القنون بدوافع إنسانية إنما هم واهمون. فالحجج التي ساقتها المراهقة الهاربة لا منطق لها هذه الأيام، ولو كانت معنَّفة أو تعيش أوضاعاً أسرية سيئة لما رافقت أهلها للكويت.