لا شك أن مشكلة تمزيق الكتب المدرسية، أو رميها على الأرض بعد نهاية الامتحانات خارج أسوار النسيج المدرسي، من بعض الطلاب، أو إتلافها في نهاية العام الدراسي وسط مظاهر احتفالية.. يخللها الضحك والتصفيق والتصفير، فرحة بانتهاء الامتحانات.. سلوك انتقامي ومنظر غير حضاري يعكس أزمة التربية المدرسية داخل المناخ التعليمي في مجتمعنا الفتي، ومعروف أن ظاهرة تمزيق الكتب أو حرقها أو إتلافها تعبّر عن حالة من اللا وعي من العنف مع سبق الإصرار ونية واضحة للتخلص مما علق في الذهن من شظايا ورواسب ورذاذ تعليمي (هش).. وهو سلوك طلابي يتنافى مع قواعد الضبط الديني والأخلاقي والاجتماعي، وفيه إيذاء للبيئة وإزعاج المنازل القريبة بسبب تطاير وتكدس هذه الكتب الممزقة وأوراقها المتناثرة في الشوارع والساحات العامة، فضلاً عن ما تتضمنه هذه الكتب المدرسية المهملة والمهانة والمهدرة من آيات قرآنية كريمة وأحاديث شريفة ينبغي احترامها والمحافظة عليها كواجب ديني وأخلاقي وتربوي، وهذا المظهر غير الحضاري الذي افتقد فيه الكتاب كرامته وقيمته واحترامه من بعض الطلاب العابثين ربما ينعكس - ميكانيكياً- على العملية التعليمية التربوية ومخرجاتها مع اتساع دائرة هذه القضية المدرسية المعاصرة، والأكيد أن هناك دوافع ومسببات وراء ارتكاب بعض الطلاب هذا السلوك المشين، منها العوامل الاجتماعية مثل مظاهر التقليد الأعمى لأصدقاء السوء من الطلاب وتباهيهم وتفاخرهم بالقيام بمثل هذه الممارسات الانتقامية مما يشجع الآخرين على تقليدهم ومحاكاة سلوكياتهم القبيحة في ظل غياب التوجيه المدرسي والأسري وإرشاد الطلاب بالمحافظة على الكتب المدرسية أو تسليمها عند نهاية العام الدراسي، أو الاستفادة منها عند تخصيص مكتبة بسيطة في المنزل.. كما يحصل في المجتمعات المتحضرة التي تنمي عقول أبنائها بحب القراءة والاطلاع الواسع، كما تلعب الظروف الأسرية التي تحيط بالطالب.. من تفكك أسري وطلاق وعنف منزلي وخرس عاطفي وغيرها من المشكلات الأسرية، دوراً بارزاً في لجوء بعض الطلاب إلى تمزيق كتبهم ورميها دون احترام لقيمة الكتاب والاستفادة منه، إذ إن عدم استقرار الأسرة ربما يلقي بظلاله على سلوك ووعي وثقافة الطفل، فتجعله يعيش حالة اغتراب تدفعه (كيميائياً) للانتقام من واقعه المر.. بهذه التصرفات وحالة الانفلات غير الأخلاقية، فضلاً عن فقدان التفاعل في المواقف الاجتماعية وعدم قدرته على اتكيّف مع محيطه الاجتماعي والأسري، وبالتالي يصبح شخصاً «مغترباً» فاقداً الإحساس والمشاعر، ففي علم الاجتماع هناك (نظرية الاغتراب الاجتماعي).. والاغتراب الاجتماعي هو أعقد وأشرس الإعراض والتي يمكن إن تؤدي إلى ارتكاب الكثير من الجرائم والجنوح، ومعروف أن الشخص المغترب يعاني من ضغوط مختلفة.. لا بد أن يرتكب جرماً بحق الفرد أو الأسرة أو المجتمع، أو ينحرف عن مسار الضبط الاجتماعي والأخلاقي والقيمي.. بالإضافة إلى العوامل النفسية مثل غياب الإدارك الواعي وضعف النضج الكافي والخلل في التفكير وسوء التوافق النفسي والاجتماعي.. تدفع الطالب غير السوي إلى ارتكاب مثل هذه التجاوزات المناهضة للقيم التربوية والسلوكية، كما أن ضعف المستوى التعليمي للوالدين وأوقات الفراغ والألعاب الإلكترونية المعنّفة، وضعف وسائل الضبط الاجتماعي عوامل أخرى مساندة تدفع الطالب للانخراط بالسلوك الجمعي المتمثّل في حرق الكتب أو إتلافها.. ولذلك ينبغي رد اعتبار خير جليس في كل زمان ومكان (الكتاب) وصيانة كرامته والعمل على تغيير ثقافة أن تلك الكتب فقط من أجل النجاح.. إلى ثقافة الكتاب من أجل طلب العلم والمعرفة والثقافة وتنمية حب القراءة في النفوس والوجدان، وهذه المنهجية الواعية لا مناص تحتاج تكامل أدوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية وهي (الأسرة والمدرسة والمؤسسات الإعلامية والثقافية والتربوية والدينية) وتفعيل اتجاهاتها التنويرية والتوعوية والوقائية بما يساهم في تنمية الوعي المدرسي والبيئي والتربوي للطالب، مع ضرورة تحسين نظام التعليم وتغيّر أساليبه ومنهجيته من النظام التلقيني القديم إلى النظام الحواري الإبداعي الحضاري الذي يغرس في عقول الطلاب وأدمغتهم بذور الوعي والاحترام والذوق العام والقيم التربوية والإحساس بالمسؤولية وحب الاطلاع الواسع عبر بوابة القراءة.