«الجزيرة» - المحليات:
دعا المنتدى الدولي الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في العاصمة البورونديه (بوجمبورا)، بعنوان: «التعددية الدينية والإثنية والتعايش الإيجابي»، تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية السيد نكورونزيزا بيري، إلى تعزيز التعايش الإيجابي في المجتمعات من خلال ترسيخ مبادئ المواطنة المشتركة والشاملة، وتفعيل المشتركات والأولويات الوطنية والإِنسانية، وتقوية روابطها، والمشاركة الفاعلة في تنمية الأوطان والنظر للمستقبل، وإشاعة روح المحبة والتسامح ونشر ثقافة التواصل والتعايش بين معتنقي الأديان، والتصدي لدعوات الكراهية والإقصاء، وتنسيق جهود الهيئات العامة والخاصة ذات الصلة بموضوع المنتدى لتعزيز روح التواصل المثمر بين أتباع الأديان والثقافات لتفعيل مبادئ المواطنة المشتركة والشاملة ببرامج عملية مستدامة تؤطرها الظرفية المكانية والسياقات الخاصة بكل دولة.
كما دعا المنتدى الذي شهد مشاركة نخبة من القيادات الدينية والسياسية والاجتماعية من مختلف الأديان والأعراق والاتجاهات السياسية والفكري المؤسسات العلمية والثقافية من القارة الإفريقية، رابطة العالم الإسلامي إلى التعاون مع الهيئات العامة والخاصة في إفريقيا في كل ما يدعم مشاريع التنمية والازدهار، وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الإعلام المختلفة لدعم التقارب الإيجابي بين الثقافات والحضارات، بما يخدم الأهداف المشتركة وأن على المؤسسات الدينية والثقافية وعموم مؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة دورًا كبيرًا في هذا يُفترض أن يُسَجَّل باعتزاز وإشهار لِرُوَّاده كلما كانوا أسبق وأقوى تفاعلاً لخدمة تلك الأهداف الإِنسانية عمومًا والوطنية خصوصًا.
ونوه المشاركون في المنتدى بثقل رابطة العالم الإسلامي وتأثير حراكها العالمي الذي نقلها من رابطة تجَمُّع إسلامي إلى رابطة وئام وسلام عالمي.
وكان دولة النائب الأول لرئيس جمهورية بوروندي، معالي السيد سنيدوم شيدانو قد افتتح فعاليات المنتدى بحضور معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى حيث أكد دولة النائب الأول على أهمية التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد، مثمنًا دور رابطة العالم الإسلامي المسهم بفاعلية في تعزيز هذا الأساس المهم في استقرار ونماء الشعوب والدول.
وقال: المسلمون في بوروندي تحت الأسس القرآنية جعلوا من رسالتهم أن يعملوا للأمن والسلام عبر التاريخ منذ الحروب الماضية في بورندي، إذ نجد أن هذه التعاليم الإسلامية هي التي كانت سببًا للمسلمين أن يحافظوا على الأمن، وهذا المنتدى سيكون فرصة لتعزيز الأمن والابتعاد عن هذه الاشتباكات والحروب.
من جهته أكد معالي الشيخ د. محمد العيسى في كلمته الافتتاحية، حرص الرابطة على مد جسور التواصل والتعاون مع الجميع لتحقيق أهدافنا الإِنسانية المشتركة.
واستعرض معاليه عددًا من الموضوعات التي أكد على أهميتها في الحوار الإِنساني عمومًا والوطني خصوصًا وقال: إنها أسس مهمة في خلق الثقة والتفاهم وأنها تعطي الضمانة بعون الله على تحقيق الأهداف ولو برسم خططها العملية الصحيحة، وقال: «نختلف لكن نتحاور ونتفاهم.. نختلف لكن نتحابُّ ويحترم بعضنا بعضًا.. نختلف ونتسامح ونتعايش ونتعاون.. نختلف ونُدرك أن الاختلاف قَدَرٌ كوني وأن هناك صوابًا وخطأ، وأن الحقيقة تتجلى في ثمار الحوار المفعم بالأخوة والحياد ومحبة الخير للجميع». مضيفًا أن الخلاف في أصله مشهد إِنساني معتاد يُشَكِّلُ غالبًا مصدر تعارف وتقارب بل وثراء إِنساني ومعرفي كبير ما لم تُغَيِّر طبيعتَهُ النقية ممارساتُ الكراهية.
وتابع معاليه: «الاندماج الإيجابي لكافة التنوع الوطني ليس خيارًا بل ضرورة ملحة لوئام الشعوب وسلام الدول».
وأضاف: «يختلف العقلاء، لكن لا يفترقون، وإنما يتحاورون ويتسامحون، ويتبادلون حب الخير.. تجمعهم المشتركات بأهدافها الوطنية والإِنسانية».
وزاد: إن لغة التفاهم والتسامح وحوار المشتركات والأولويات ركائزُ في حوار الوئام والسلام لخير «العائلة الإِنسانية» و»الأسرة الوطنية».
بعدها ألقى معالي وسيط الدولة أمين ديوان المظالم بجمهورية بوروندي السيد إدوارد أندويمانا، كلمة شكر فيها معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الذي قبل دعوتنا ونظم هذا المنتدى في بلادنا، هذا يعني أنه يهمه التعايش والاتحاد بين الناس، وهذه من القيم الإسلامية ومن أعظم قيم الإسلام، وكلمة السلام جاءت أكثر من ثماني عشرة مرة في القرآن، وهذا يعني أن الدين الإسلامي دين سلام ومحبة، المسلمون في بوروندي هم زعماء التعايش والأمن والسلام، أقول ذلك وأنا كاثوليكي.
ثم ألقى سماحة مفتي جمهورية بوروندي الشيخ صديق كاجندي كلمة أوضح فيها أن الإسلام بوصفه خاتم الأديان السماوية يواكب في حلوله الزمان والمكان يسير في الحياة بمرونة تحقق المصالح النافعة للبشرية، مؤكدًا أن الإسلام يُعنى بالوشائج والصلات التي يجب أن تربط بين أفراد المجتمع الواحد مهما اختلفت انتماءاتهم أو دياناتهم أو ألوانهم، طالما جمعهم وطنٌ واحد، ويمتد ذلك ليشمل البشرية جميعها باعتبارها وحدة واحدة تعود إلى أصلٍ واحد، هذا هو الأساس الأول لمفهوم التسامح الذي يجب أن يسود بين البشرية في معاملاتهم وسلوكياتهم.
وبين سماحته أن الإسلام يُقر بالتعددية والحريّة الدينية باعتبارها أُسُسًا للخلق الذي يجب أن يجعل التعامل بين الناس طبيعية يحكُمها العدل والمساواة والشعور الإِنساني، وهذا يُسهم بلا شك في القضاء على النزاعات العصبية والأفكار المتطرفة التي يمكن أن تُؤدي بالمجتمعات إلى التفرقة والتنازع وهذا ما لا يرضاه لنا ربُنا!
وأضاف: إننا ندعو إلى تنظيم مثل هذه المنتديات التي تحث على التسامح والتراحم والتعايش، وتدعو إلى الإيثار والمساواة والعدل وتفعيل مبدأ الاحترام المتبادل من أجل تقوية السِلم ونشر الأمن والمحبة والتعارف الذي هو المقصد الإلهي من تنوع الناس كما توضحه الآية الكريمة من سورةِ الحُجُرات (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنّ الله عليكمٌ خبير).
وتابع مفتي بوروندي قائلاً: هذه المعاني العظيمة الجليلة تحتاج إلى من يُحسن تبليغها بالأسلوب المناسب والكلمة الطيبة النافذة إلى القلوب والعقول.
وفي الختام ألقي عميد كلية اللغات الأجنبية بجامعة زنجبار في تنزانيا الدكتور عيسى الحاج زيدي، كلمة المشاركين بين فيها أن ولاءنا للأديان والعرقيات على تعددها وتنوعها يجعلنا نتأمل في المشتركات الكثيرة التي تجمعنا وتؤلف بيننا، فمن ذلك على سبيل المثال: القيم الأخلاقية والإِنسانية، والانتماء للأوطان، والإسهام معًا في عمارتها ونهضتها بالتعاون مع كافة الأفراد على تنوع مشاربهم ومذاهبهم بعيدًا عن الحزبية والطائفية الضيقة.
وتابع عميد الكلية: هنا أوجِّه دعوة صريحة للجميع إلى تعزيز التعايش الإيجابي في المجتمعات بالقول والعمل، والاجتماع يدًا واحدة على عمارة الأوطان، وبناء المستقبل، وتقوية الروابط الإِنسانية والحضارية.
كما أثنى الدكتور عيسى على جهود رابطة العالم الإسلامي، في سعيها الدؤوب، وجهدها المستمر في مد جسور التعاون المشترك بين الجميع، ونشر ثقافة السلام والوئام بين الناس كافة.