د. خيرية السقاف
الحليم إذا بلغ صبرُه الأوجَ إما أن يبتر، أو أن ينفرَ..
يبتر العلاقة بينه ومن يصبر عليه، أو ينفر غاضبًا ليرد الحق إلى موازينه..
ونفرة الحليم «شرٌ» كما قيل: «اتق شر الحليم إذا غضب»
فالحليم من البشر ليس كاملاً لا يغضب، وإنما هو صبور، ذو أناة،
حلمه ثمرة من شجرة أخلاقه..
إما حلوة، أو مرَّة..
والحليم تُسيِّر مواقفه قدرة سجاياه، وثقته في قواه، وتمكنه من كفَّة الحق إليه..
لذا فمن يتعامل معه، عليه أن يتجنب الوقوع في منطقة ثورته، والسقوط بعد خط احتماله،
بل عليه الوقوف قبل هناك..
فالتمادي في التجاوز معه، استنفارٌ لأقصى ما فيه من الصبر، ولأوسع ما يمكنه من الاحتمال،
واستحضارٌ لغضبته، وشرارها المباغت..
في هذا المعترك من الحياة، وانفتاح الكون في «قريته الصغيرة» على سعة كفّ يده،
يضيق صبر الحليم على المتجاوزين حدود أناته..
إنهم في الواقع المشاهَد لم يعودوا أفرادًا، إنهم هيئات، ومنظمات، بل دول تستنفر غضب دول حليمة معهم، لكنهم إذا ما تماسوا مع الخطِّ الفاصل بين صبرها، وغضبها، فإن حلمها سينفر، ولسوف تكشر عن أنياب هذا الحلم فيها، حتى يظنها أولئك أنها تضحك، فإذا هي غضباً بهم تبطش كما هو حال ليث «المتنبي» في قصيده، لسان حالها يقول ما قاله الشاعر:
«وجاهل مدَّه في جهله ضحكي
حتى أتته يدٌ فراسةٌ وفمُ
إذا نظرت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث مبتسم»
إنني أتخيل ما سيكون من صبر بلادنا الحكيمة الحليمة على السفهاء من حيث يتمادون يأتون..
فحجة الحكيم الحليم أقوى، فيما غرور المستفز، أوهن، وأضعف!..