«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
طرأت تطورات كبيرة على هيكل الاقتصاد السعودي خلال الأربعين عاماً الأخيرة، حيث ازدادت القطاعات والأنشطة التي تسهم في تركيبة الناتج المحلي الإجمالي، فبعد فترات طويلة من سيطرة النفط والتعدين، حيث كانت نسبة مساهمته تتجاوز الـ70 % في عام 1980، تراجعت هذه المساهمة لصالح قطاعات أخرى، وصلت إلى حوالي 71 % ما بين الصناعة والزراعة والخدمات والعقار والأعمال وغيرها.. بحيث لم يعد للتعدين مساهمة تتجاوز الـ39 % في عام 2017.
إنها تطورات ديناميكية وإيجابية أسهمت في أن حجم الناتج الإجمالي بلغ 2938 مليار ريال بالأسعار الجارية في عام 2018 ؛ يعني 3 تريليونات ريال بعد أن كان مستوى الناتج لا يزيد عن 970 مليار ريال في عام 2004 ؛ ما يعني حدوث نقلة للإنتاج السعودي خلال فترة الـ15 عاماً الأخيرة تعادل حوالي 203 %.
حتى بالأسعار الثابتة، فقد تطور الناتج المحلي الإجمالي خلال هذه الفترة (2004 - 2018) بنسبة تزيد عن 65 % ؛ أي نما سنوياً بمعدل يناهز الـ4.6 %، وهو معدل عال ومقبول للغاية مقارنة بمعدلات النمو بالدول المتقدِّمة خلال نفس الفترة.
ورغم التحسّن في تركيبة الاقتصاد السعودي وخروجه من منطقة الخوف بزيادة تركز النشاط النفطي وسيطرته على الاقتصاد المحلي، إلى منطقة التنويع الاقتصادي، حيث باتت أنشطة أخرى غير نفطية تسهم بما يزيد عن 70 % في مجمل الاقتصاد، إلا أن رؤية 2030 تخطو أكثر فأكثر تجاه ترسيخ التنويع الاقتصادي وتمركزه في اتجاه مزيد من التصنيع، بل وتحديث الصناعة في مجالات تمتلك المملكة فيها تميزاً تنافسياً .. فما الذي يقف أمام وصول نسبة مساهمة الصناعة التحويلية إلى 20 % أو 30 %، وخصوصاً أن المملكة تمتلك كل مقدرات التصنيع الحديث؟ ما هي التحديات التي تحول دون النمو الصناعي العالي بمعدلات تزيد عن 10 % سنوياً؟
لماذا التصنيع الآن بالتحديد؟
التصنيع بمثابة القلب لأي تنمية مستدامة لأي دولة.. ويعتبر القوة الأساسية لنهضة أي دولة، فهو الكفيل بتحويل الموارد من أنشطة كثيفة العمالة إلى أنشطة كثيفة رأس المال وكثيفة التكنولوجيا.. بالشكل الذي يضمن ارتفاع حجم القيمة المضافة لأي موارد تمتلكها هذه الدولة.
ويشير تقرير منظمة التنمية الصناعية لعام 2016 إلى أن التصنيع سيظل عنصراً حاسماً في النمو المستقبلي للبلدان النامية.
وفي المملكة، زادت مساهمة الصناعة التحويلية من 1.2 % في عام 1980 إلى أعلى من 9 % في عام 2018، إلا أنها لا تزال تمتلك إمكانات للوصول إلى معدلات تزيد عن 20 % والـ30 %.
التحديات أمام الصناعة
ترتبط التحديات بعدة عناصر، ترتبط بمدخلات الصناعة التي تتمثِّل في رأس المال البشري، ورأس المال، والتكنولوجيا والمعدات الرأسمالية، والطاقة والموارد الطبيعية، والتنويع الصناعي، والتنظيم.
وقد قطعت المملكة شوطاً مهماً في تحسين والتغلب على معظم هذه التحديات، ولكن يبقى عنصر التحدي التكنولوجي والفني عائقاً ويحتاج المزيد من المجهودات.
من يجلب وينفق على التكنولوجيا الصناعية؟
يبدو أن هناك فجوة بين الابتكارات العلمية المتاحة محلياً ودولياً وبين التقنيات المحلية المستخدمة في القطاع الصناعي السعودي.
ولكن الشركات الصناعية هي مهد التكنولوجيا على المدى المتوسط والبعيد.. فالدولة تحرك التكنولوجيا، ولكن الشركات الصناعية والإنتاجية يقع عليها عبء الاستمرار في جلب واستقدام التقنيات مع تطورها الزمني والعلمي.
ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى بعض المعوقات التكنولوجية التي تواجه الصناعة:
1- ضعف ثقافة الابتكار لدى الشركات الصناعية التي تعتمد على الربح السريع والأرباح قصيرة المدى.
2 - عدم وجود تواصل فعَّال بين الشركات الصناعية والجامعات ومراكز البحث.
3 - القصور في تسويق الأبحاث والابتكارات الصناعية.
4 - صغر عدد وحجم الجهات التي تتبنى الابتكارات مالياً.
5 - ضعف وتدني حجم مخصصات الأبحاث لدى أكثر الشركات الصناعية.