د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
«مشيناها،،،» كتاب سيرة ومسيرة بمحتوى جليل، ومشروع ثقافي خاص تسترفدهُ نكهة وطنية مكتنزة؛ ذلكم هو المُوَلَف الأحدثُ للدكتو عبدالرحمن الشبيلي الذي جاء بعنوان لافت فاخر «مشيناها... حكايات ذات» فانسكب في جُلّها التاريخ الإعلامي الوطني بأنامل «كرام بررة»، وانبرى القلم الشبيلي يغذ خطاه على بياض الورق في حكايات مباشرة وليست مواربة؛ وإن تجاوز المؤلف بعض الأعماق في محطاته فلعله لا يشهد إلا بما رأى وسمع، أما ما خلف الجدران فالنهج الشبيلي لا يشجيه التخمين؛ بل تطربه الحقيقة!
«وبعد قراءة صفيقة مني لمشيناها» وجدته منجزًا ثقافيًا وطنيًا ذا قيمة عليا خرج ممهورًا بتجربة قيادة إعلامية مخضرمة كانت وما زالت تتوق للعلياء في صفوف أعمالها لتتصدر الإتقان، وتعانق القدرة في صناعة الإعلام وعالمه المثير،،، فلقد طرق الدكتور عبدالرحمن الشبيلي الفِياض الإعلامية؛ وجايل وزراءها، وحاور وجاور «وازْوَرَّ من وقع القنا في بعض أحواله!! ولأن المتكأ الإعلامي ما زال جديرًا بالتبصر فقد امتلأت ثنايا الكتاب بإستراتيجيات النهوض التي تصلح لكل زمان ومكان! ففي الكتاب ينابيع لم تغادرها الديم حتى نهايتها! ومزيج لافت من حديث المدن وتحليل الشخصيات خلالها، وما أجمل المدن وأهلها في مأدبة المؤلف الفاخرة من الأسلوب الراقي والعبارات المكتنزة بالضوء، ولقد نجح الدكتور الشبيلي في صياغة التحولات في مسيرته وحياته، واللافت أنه كان يحاكم محطات حياته فيستنطق الأحداث فينجلي أمام القارئ الأثر والمؤثر الأقوى في كل محطة؛ كما يحسن المؤلف الربط بين المقدمات والنتائج وبين الظواهر والأسباب، ولذلك فمنذ أن مشينا على الصفحات الأولى من «مشيناها» والسيرة تتبرعم وترق وتترقرق، وبين البداية والنهاية حكايات الجد والعمل والأمل؛ وبشكل عام فنحن مشيناها مع الدكتور عبدالرحمن الشبيلي فالتقينا مع النفس الإنسانية المبدعة، فقد كان قلم التسجيل واستعادة الأحداث أمينًا؛ وتوشحتْ الذكاءات الشبيلية في تلك السيرة أيضًا قدرة المؤلف على تصحيح التلقي الأولي وإعادة توجيه القارئ نحو حكايات الذات ليلقي الضوء على جوانب مهمة! فلم تغادر الدكتور الشبيلي متلازمته التأليفية عندما يرصد حدسه استجابات القارئ قبل حدوثها لأنه يعي أن استجابة القارئ لمحتوى السيرة هو نسيج الموقف النقدي برمته، فالسيرة الذاتية في «مشيناها...» تم تدوينها في مناخ موضوعي وإطار اجتماعي وثقافي كان في أوج الاهتمام الوطني، ومن اللافت في صناعة النسيج التكويني لتلك السيرة الفاخرة أن المؤلف يبدع في الحديث عن نفسه عندما يتحدث عن الآخرين بوصفهم القطب الذي تتجه إليه الذات! فأحسن وأجاد المؤلف في إدراج صورة الآخر بين ثنايا السيرة فربحتْ تجارته!! فالمؤلف من رموز الوسط الإعلامي الذين أحدثوا فرقًا، وهو صاحب تجربة ممتدة وسعة مداركه وإطلاعه وكثرة رحلاته ولقاءاته فرضتْ عليه نموذجًا مختلفًا للسيرة الذاتية المختلفة اختلافًا ملحوظًا وسعة في شبكة العلاقات، ومساحات أكبر لظهور الآخر،يبقى كتاب «مشيناها» مسترادًا تجوب الذاكرة جماليات السرد وتفاصيل المكان والزمان؛ فشكرًا لأستاذ الإعلام والثقافة الدكتور عبدالرحمن الشبيلي لمشاركتنا استرجاع الأحداث في فضاءاتها المختلفة دعمًا لفكرة الكتاب ووطنية البوح..
وكأن تلك الاسترجاعات روافد نهر تمتد في طرق مختلفة لتصل في النهاية إلى مصب واحد، فالمبدع حتمًا لا يصنع ذاته منفردًا كما بدا ذلك في حكايات الذات «مشيناها».
وختام الحديث،، ذلكم ثناء مستحق وجدتُه جديرًا بالنشر عن الكتاب وصاحبه..
«إذا نحن أثنينا عليك بصالح
فأنتَ الذي نثني وفوق الذي نثني»
أبو نواس،،،