د. أحمد الفراج
ربما أن أهم مشكلة يواجهها حلفاء ترمب هي قراراته، التي تأتي كثيرًا مفاجئة وغير متوقعة، خصوصًا وأن هذا يختلف عن النمط، الذي تُدار به السياسة الأمريكية، في ظل نظام مؤسساتي عريق، يتداخل فيه السياسي بالاقتصادي بالأمني، وشعاره مصلحة أمريكا العليا، ولا يعني هذا أن ترمب يشطح بالقرارات بعيدًا عن الخط السياسي العام، إذ لو فعل ذلك لتدخلت دولة المؤسسات، ففي أمريكا، يستطيع الرئيس القوي أن يفرض سياسات معينة، شريطة أن تتوازى بشكل أو بآخر مع الخط العام، ولكن لو فعل ما من شأنه أن يضر بالمصالح الأمريكية، أو يهدد الأمن القومي الأمريكي، فعندها ستتدخل دولة المؤسسات، ولا شك أن هناك قرارات تخلى عنها ترمب، أو قام بتعديلها، دون أن يشعر المتابعون بذلك، فما يحدث خلف الأبواب المغلقة يظل من الأسرار التي لا يمكن أن يطلع عليها أحد.
لنأخذ مثالاً على ذلك قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو القرار، الذي كان من نتائجه استقالة وزير الدفاع، الجنرال ماتيس، ووزارة الدفاع، بتشعباتها الضخمة، واستخباراتها القوية، تعتبر أهم أذرعة دولة المؤسسات، أو الدولة العميقة، ولعل هذا يفسر تصريحات ترمب اللاحقة، التي أشار من خلالها إلى أن الانسحاب سيكون بشكل متدرج، على مدى زمن أطول، ثم حاول طمأنة الأكراد، حلفاء أمريكا في الحرب على داعش، فمسألة التخلي عن الأكراد كانت السبب الرئيس لرحيل الجنرال ماتيس، ويعلم ترمب العواقب الوخيمة التي تنتظره، فيما لو تجاوز الخطوط الحمراء، ضد دولة المؤسسات، فهي التي تمسك بتلابيب كل من شأنه حماية المصالح الأمريكية، وتراقب كل شيء عن كثب، ولها أذرعتها داخل البيت الأبيض ذاته.
قبل أيام، غرد ترمب بحدّة ضد تركيا، متوعدًا بأنه سيدمر اقتصادها، فيما لو تعرضت للأكراد، ثم وفي خلال أقل من 24 ساعة، غرد بما يتناقض مع ذلك، وبالتالي فإننا أمام حالة خاصة، وصفتها ذات يوم، قبيل المناظرة، بين ترمب وهيلاري كلينتون، أثناء سباق الانتخابات الرئاسية الماضية، فقد كتبت حينها بأن: «هذه المناظرة ستكون مشوقة، لأن ترمب يشبه المصارع الشهير، لؤي البانو، الذي لا يمكن التنبؤ بما سيفعل»، وما زال ترمب كما وصفته قبل أكثر من عامين، ودونكم تصريحاته الإيجابية والسلبية عن بعض حلفاء أمريكا، فهو يشيد بهذا الحليف أو ذاك في الصباح، ثم يناقض ذلك في مساء اليوم ذاته، وبالتالي فإن التعامل مع ترمب يستوجب إدراكًا لهذه الحقيقة، لأنه ببساطة لا يمكن التنبؤ بما يدور في خلده، ومثل هذا الزعيم يصبح خطرًا، فيما لو كان له كامل السلطة ليفعل ما يريد، مثل الزعيم بوتين على سبيل المثال، ولكن في ظل وجود دولة المؤسسات في أمريكا، فإن التدخل في الوقت المناسب يصبح أمرًا مطمئنًا للجميع!