الثقافية - محمد هليل الرويلي:
أكد الروائي والقاص جمال الدين علي الحاج أن المتابع للمشهد الثقافي والأدبي السعودي يلحظ حركة نشطة من خلال الجمعيات والمنتديات والمعارض والمسابقات التي تعقد هنا وهناك.. مشيرًا إلى أسماء سعودية تصدرت المشهد الأقليمي والدولي في النقد أو السرد. فما من قائمة طويلة أو قصيرة لجائزة إقليمية أو عالمية وإلا حوت اسماً سعودياً: الناقد الدكتور سعد البازعي, د. ظافر الشهري, د. علي الدرورة, د. مبارك الخالدي, عبده خال, رجاء العالم, محمد علوان, عزيز محمد, أميمة الخميس وآخرون.
هذا النشاط تشكل في ظل الانفتاح الذي تشهده المملكة لاسيما خروج المرأة السعودية واقتحامها بجدارة مختلف المجالات, ماينبئ أن يشكّل ذلك تحولاً كبيراً في المشهد الثقافي والأدبي العالمي ككل, يدعمه الغنى والتنوع في الموروث والتراث الوافر على أرضها.
قضية الكاتب لوي عنق التاريخ وليست الجوائز
وأضاف: إن الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية والمواقع الإلكترونية المتخصصة تلعب دوراً كبيراً في التنوير وبث الوعي. ويطمع في أن تقدم الكثير. ولابد للدول أن تفرد لها المجال والدعم المادي والمعنوي. متمنيًا أن تعود إلى مناهجنا حصة المكتبة والمسرح والموسيقى. كما أكد أن قضية الكاتب ليست الفوز بالجوائز ولا ينبغي أن يحشر الكاتب نفسه في تلك الزاوية الضيقة, كون رسالة الأدب أسمى وأقوى. ولا أعرف أيّاً من الكتّاب الذين شكلوا وجدان الشعوب ولووا عنق التاريخ بأعمال خالدة, كان الفوز بجائزة ما هدفا لهم. ثم أن الفعل الكتابي نفسه والنص المنتج بعد خروجه من يدي الكاتب, يتخطاه إلى فضاءات أرحب ربما لم يفكر فيها, وهذه القيمة الفعلية للأدب. وإن كانت الجوائز والمسابقات التي تعقد هنا وهناك تفرز وتبرز بعض الأسماء لكنها لن تصنع مبدعاً.. غير أنها في الوقت نفسه تظل حراكًا ثقافيًا وأدبيًا مطلوبًا للفت نظر القراء في ظل تحديق العالم في شاشة صغيرة تحمل على الكف.
ووصف «الحاج» المبدع الحقيقي بصوت الإنسانية وضمير الأمة. يتشكّل وعيه من البيئة والمحيط والعالم ويكابد الحياة كأي إنسان لكنه يمتلك حساً مرهفاً مغايراً تجاه القضايا التي قد يراها البعض صغيرة; تلفت نظره تلك المواقف والأحداث التي يراها ويسمعها ويلتقطها بعين الروح; فتتخلق وتنمو في دواخله مجموعة من الانفعالات مسببة حالة من القلق الداخلي حتى تتفجر.. لحناً.. شعراً.. رسماً.. قصةً.. روايةً أو مسرحيةً.
وقال: عن نفسي أعبر عن قضايا الإنسان الكائن والكامن داخلي مع الحياة والعالم انطلاقاً من البيئة والمحيط اللذين تشرب منهما حد المسام.. بدون قصد أو ترتيب قد يستفز المخيلة موقف أو مشهد ما من الواقع ويظل يختمر ويتخلق بالدواخل حتى يكتمل ومن ثم يخرج للوجود لابساً ثوبه المنقوش بشيء من الواقع وشيء من الخيال، ولا أهتم بعد ذلك إن كان المولود قصة أو رواية تستمد كينونتها وصيرورتها من اصطراع الشخوص في عالمها الروائي الذي تعيشه بين صفحات الورق.
لسنا رقعة شطرنج
وتابع: ثمة من يقول إن هذا زمن الرواية وما عداها من أجناس أدبية انزوى أو مات؛ لا.. أبداً المسألة ليست منافسة في حلبة مصارعة أو حرباً في رقعة شطرنج تنتهي بالموت الفناء. فلكل جنس أدبي رواده ومتلقوه ومحبوه. وستظل القصة كما الشعر والمسرح والموسيقى وبقية الفنون هي الجسر الذي تعبر من فوقه الرؤى والأفكار وهي الألياف الشفافة القادرة على حمل شحنات النفس وتناقضات الحياة. تستمد ألقها وقوتها من الروح التي يبثها المبدع الشخوص. وما الرواية والقصيدة إلا قصة أو مجموعة قصص انتظمت بخيط السرد الشفاف تزين جيد الأدب. ربما تصاب بالضعف والوهن جراء توجهات بعض دور النشر التجارية ولكنها لا تموت.
وزاد: ثمة واقع يفوق الخيال أنا واحد من غمار الناس أستلهم قصصي من البسطاء الغبش الذين يعيشون بيننا على هامش الحياة وقد لا نحس بهم لكنهم ربما عرفوا المعنى الحقيقي للحياة أولئك الغبش ملح الأرض يكتنزون في صدورهم قصصاً كثيرة يجب أن تروى للعالم وحري به أن يصمت وينصت لصوتهم.
أنا من جيل لا يرمي الترمس
وحول ذائقته وتأثره بالنماذج من الشخوص المبدعة التي تركت بصمتها على تجربته وعيشه بين الخيال والواقع قال الحاج: أنا ابن بيئة قروية, النيل فيها سيد الطبيعة بلا منازع، لذا قرأت وأنا صغير الطيب صالح وتأثرت به لأنه يعبر عني وعن الحياة التي عشتها في طفولتي وصباي. أيضاً قرأت بروف علي المك وعيسى الحلو وبشرى الفاضل. ثم كانت تلك المكتبة العامة الضخمة في نادي الحي قبل أن تطفأ أنوار المكتبات العامة ويعم الظلام; فقرأت في سن مبكرة الأدب الروسي القديم لاسيما ديستوفسكي وتشخوف اللذين تأثرت بهما كثيراً, وقرأت الأدب اللاتيني لاسيما ماركيز طبعاً بالإضافة إلى الأدب العربي نجيب محفوظ وحنا مينا وجبران وإدوارد سعيد وغيرهم. لكنني لم أرهن ذائقتي لصوت واحد. لا زلت أقرأ وأتعلم وأكتشف أشياء جديدة وعوالم ساحرة.. فأنا من جيل لا يرمي بقرطاس التسالي والترمس الفارغ إلا بعد قراءته.
النقد القديم لابد هدمه يانطاسي
وطالب الحاج أن نهدم تعريف النقد القديم وأطره وأن نوجد تعريفًا جديدًا للنقد الحديث لمواكبة تطور السرد وانفتاحه ليقوم بدوره وقال: في البدء لابد لنا أن نعرف النقد. وظيفته وأهميته.. فالنقد الحديث تجاوز التعريف القديم. إبراز مواطن القبح والجمال في أي منتوج إبداعي.. إلى أفق أبعد فمع تطور الفعل الكتابي كان لابد للنقد أن يقابلها بنظريات حديثة تواكب تطور السرد وانفتاحه وهدمه لكل القوالب وتكسيره للأطر القديمة, يعتمد النقد على الذائقة أولاً كحاسة ومجس ثم التشريح والتفسير والتأويل والقراءة ثم التقييم.. ولكي يقوم بدوره على أكمل وجه لابد له من أسس ومنهج ومدارس ومفاهيم ونظم يركتز عليها. إذًا لابد للناقد أن يكون ملماً بكل ذلك بعيداً عن العاطفة والمجاملة; فهو كالنطاسي البارع يتمتع بالمخيلة والجرأة والعلم والتجربة التي تجعله يمسك قلمه المبضع يشرح جسد النص.. ولأن النص الأدبي يسبق النص النقدي; فهو ينهض على أكتافه متسلقاً هيكله البنائي ليفتح النوافذ ويدع الأفكار والرؤى والوعي تتسلل.
إن النص النقدي هو نص موازٍ لا يلغي ولا يتكامل إنما قضيبان يحملان ذهن القارئ ليصلا به إلى محطته الأخيرة. المتعة والدهشة. إذًا النقد عملياً خدمة وبناء وارتقاء وليس هدم وإزالة وإعادة ترميم. الكاتب والناقد كلاهما يحتاجان إلى الفعل الكتابي لخدمة النص الأدبي والمتلقي.
مضغ للهواء.. ما ينفع الناس
يمكث في الأرض
في عالمنا العربي برزت العديد من الأسماء التي خدمت قضية النقد والأدب سوى بنقل العلم والتجارب للأجيال أو عن طريق منتوجهم الأدبي. أ. د سعد البازعي, أ. د. عبدالرحمن الخانجي, أ. د. محمد المهدي بشرى, د. يمنى العيد وغيرهم. في الآونة الأخيرة ومع الكم الهائل من المنتوج الإبداعي قد لا يتأتى للنقد ملاحقته بالقراءة والمدارسة والتحليل فاعتمد على ما تبرزه المسابقات الأدبية من أسماء وإن كانت المسابقات قصد بها لفت النظر بتسليط وتكثيف الضوء إلى نقطة ما ولكنها خلقت نوعاً من الهالة حجبت الرؤيا عن ما لم يفز أو يتقدم للجائزة وربما كانت تلك الأعمال أقوى وأمضى وهذا فتح الباب للتكهنات والأحاديث هنا وهناك عن مجاملة أو تكتلات ما ولكن يبقى كل ذلك مضغ للهواء فما ينفع الناس يمكث في الأرض وأما الزبد فيذهب جفاء. ويبقى القارئ هو الناقد الأول والأخير وهو المعني بالمسألة برمتها.
«الثقافية» تتمنى مزيدًا من الألق للقاص والروائي السوداني الذي بعمل حاليًا في السعودية وساهم في إثراء بعض منابرها الثقافية. صدر له عديد من الروايات: «جنوكورو, فلين جذور الصفصاف, الباترا مخاوي الطير».. الأخيرتان فازتا بجائزة الطيب صالح التقديرية للإبداع الروائي من مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي. شارك مجموعة من القاصين العرب بإصدار مجموعة قصصية (آن لنا أن نروي ), ومجموعة (ضفاف السرد).
لديه مجموعة من القصص والقراءات النقدية منشورة في الصحف السودانية والعربية وأنطلوجيا السرد العربي والمواقع المهتمة.. يعكف حالياً على صف وترتيب مجموعتين قصصيتين ستصدران قريباً. وسيناريو لفيلم سوداني بإنتاج عالمي.