د. صالح بن سعد اللحيدان
هنا محط القول فيما يمكن قوله على خلاف ما ذهب إليه ابن خلدون وسواه ممن بذلوا جهدًا لبيان بناء الدول إداريًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، وما يتبع هذا من نوافل القول مما لا بد منه أن يكون إذ الدولة تحتاج إلى موهبة القول وموهبة العمل على أساس التجديد السبقي، لكن في ثقل قوي من بناء جد متين، لكن لعلي أبين قبل ذلك في هذا (المعجم) حقيقة معاني البناء؛ ليكون ذلك مدخلاً أو قُل أمرًا مهمًّا حيال ما أنا بصدد الحديث عنه.. فعلى بركة الله:
1البناء أصل هذه المفردة ثلاثية الأحرف بحذف الألف واللام من التشييد والبناء.
2البناء إقامة ما يراد سكناه.
3البناء رفع القواعد مما يكون قائمًا عليه.
4 البناء من صفات الحياة لأجل مسمى.
5البناء يدخل هذه الكلمة الاشتراك اللفظي:
فيقال بنى بها: دخل عليها.
ويقال بنى بها: اتخذها سكنًا من باب العموم.
ويقال ابتنى بها: عمر بيتًا في بلدة ما.
ويقال هذا بان: بناء.
ويقال يبني: يعمر ويشيد.
6البناء بكسر الباء على ما سلف.
7البناء التشييد على اختلاف بين عمل وعمل.
8 بنى الأمر أقامه.
9 يبني يعمل عليه لإتمامه.
وأصل البناء إنما يكون من الخريت؛ ولهذا كانوا في البوادي والقفار يضربون بيت الشعر ممن يحسن ذلك بإقامة العمد والرواق وفتحات الهبوب.
وكانت النساء يحسنّ ذلك بجانب الرجال، وإن كانت الوتيرة مختلفة.
قلت ومن معني هذه المفردة:
10بنى الوادي: عمره بالماء والشجر.
11بنى الصحراء: عمرها بالأحياء.
12 بنى الساقي: شقه وسواه.
13بنى الأمر: اجتهد فيه.
14بان له سبق: وهذا يقال للعالم المجتهد الذي قد يسد مسد 100 عالم.
ولعل هذا كافٍ، وإن كنت تركت أشياء أخرى فإنما تركتها خشية الملال، وإن كان لا يمل من طوارح العلم وأساسيات مفردات المعاجم على كل حال.
وإذا كان البناء على هذا فإنه في معناه على حال الأصل يدل على التشييد ورفع القواعد لكل قائم على الأرض.
ومن أصول البناء: بناء الدولة بأنها تقوم على أصول وقواعد من التأسيس وقوة النظر ومعاودة التجديد، فضلاً عن ضرورة التغافل عن الصغائر غير المرادة من هذا وذاك.
وقد عاينت من خلال قراءاتي في سياسة الدول عبر تغاير القرون أن من أهم ما تقوم عليه هو قوة رفع القواعد لسبيل الدوام، والسبل تختلف ولكن من أهمها الانكباب على ذوي العقول المجربة الواضحة من ذوي الشرف والأخلاق العالية وقلة الظهور وحب الانطواء وكثرة التدبر في أحوال تجارب الدول من شحذ للعقل التجريبي الفطن.
ليس من اللازم في مقاييس الدول أن تتعجل البناء وسرعة الظهور حتى يتأسس لها خبرة ضاربة في أعماق قناعة العمل الذي تسير عليه وفق التجديد مع كسب متتالٍ للأصدقاء وتبادل المصالح، تلك التي لا تضر بسياستها التي تنهجها لبناء بشكل خفي، وإنما قصدت بكسب الأصدقاء وتبادل المصالح الاستفادة مما قد يقع من خطأ ولو كان صغيرًا حتى يمكن تلافيه.
فقد هادن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفار قريش ومَن معهم من الحلفاء على شروطهم تلك التي ضد الإسلام يوم صلح الحديبية، ثم بدا أنه قد أَمِن جانبهم فسار يؤسس بناء القواعد والعقول وتوظيف القدرات.
وفعل هذا الشيء المعتصم مع أنه كان أشبه ما يكون بالعامي، لكنها تجارب لقيت استعدادًا حيًّا في العقلية العملية، وكان يتجنب المعاداة لأحد ما، خاصة هفوات الحواصل من القول والعمل.
إن القدرات والمواهب هي ما يجب أن يتم التركيز عليه حتى من أولئك الذين ليس إليهم رغبة للشك في بعض حالاتهم بسبب قول أو توجه ما.
وقد ظهر من بعض تجارب الأمم أن ما كان من حال هؤلاء من قلة أو شك إنما هو مجرد وشاية من قريب أو واش، أو أنه نقل لكلام جاء على السجية لم يقصد به شيئًا كحال الموهوب أو العظيم من الرجال الذين يتكلمون لكنهم لا يقصدون شيئًا، إنما جاء على السجية بحسب طباعهم من الصراحة والنبوغ، وذلك كحال عمر يوم الحديبية حينما خالف، بل رفع صوته بحضور المصطفى - صلى الله عليه وسلم -.
ومن نافلة القول ولا مشابهه كشاهد حي يوم خالف إبراهام لنكولن كثيرًا سياسة وتوجهات بعض السياسيين خلال الحرب الباردة، وقد عارضوه كثيرًا، لكنه مضى في قراره، وقد تبين صحة ما ذهب إليه، وقد كادت أمريكا تذهب في مهب الريح.