غرضي من الإضافة في اسم توضح فك الالتباس بينها وبين توضح امرئ القيس حين قال في معلقته:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
لما نسجتها من جنوب وشمأل
وهذا الالتباس وقع فعلاً من مؤلف كبير، هو الهمداني في كتاب صفة جزيرة العرب ص 310. ولننتقل الآن إلى توضحنا، ولعل الله ييسر مستقبلاً تحديد توضح الأخرى التي اصطلحنا على تسميتها (توضح امرئ القيس).
ونستهل كلامنا ببيت ليحيى بن طالب الحنفي، وهو من أشهر أهالي هذه المنطقة الحافلة، وقد أورد هذا البيت ياقوت الحموي في كتابه الشهير (معجم البلدان)، وذلك ضمن أبيات عديدة (ج 4 ص 327):
أيا أثلاث القاع من بطن توضح
حنيني إلى أطلالكن طويل
فشاعرنا صاحب البيت والأبيات التي قبله وبعده من بني حنيفة، وهو مولى لقريش، وقد فسر البعض هنا كلمة مولى بمعنى المصاحب القريب، ولكن لا يوجد ما يمنع أن يكون فعلاً مولى بالمعنى الشائع والمتداول قديماً، وهو من سبق استرقاقه. ولعل ذلك من زمن أجداد له بعد حروب الردة في اليمامة بين المسلمين بقيادة خالد بن الوليد - رضي الله عنه - وبني حنيفة بقيادة مسليمة بن حبيب الكذاب.
ولندلف الآن إلى موضوعنا الرئيس، وهو تحديد وتحرير موقع توضح البلداني. ولنبدأ بنص لياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان ج 4 ص 326):
(إذا خرج الخارج من وشم اليمامة يريد مهب الجنوب، وجعل العارض شمالاً، فإنه يعلو أرضاً تسمى قرقرى، فيها قرى وزروع ونخيل كثير، ومن قراها: الهزيمة فيها ناس من بني قريش وبني قيس ابن ثعلبة وقرما والجواء والأطواء وتوضح...). فالخارج بوصف ياقوت من الوشم ومتجه إلى مهب الجنوب وهو الجنوب الشرقي، ويدع جبال العارض أي (طويق) شمالاً، أي يساره، فإنه يعلو أرضاً تسمى قرقرى. وهذا يخالف اختيار الأستاذ/ عبد الله بن محمد الشايع الذي شكك في كتابه عن حجر اليمامة وقوع البرتين العليا، وهي الثرماني وما جاوره، والبرة السفلى (البرة حالياً). إذاً نستخلص من نص ياقوت السابق أن توضحنا تقع في قرقرى، ولكن نحتاج إلى مزيد من التحديد لموقعها فقرقرى واسعة كما أشار ياقوت الحموي سابقاً.
يقول الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب ص 283 إلى 284:
(ومياه السباعة والمحضة وقراها والبرتين والديار كلها ربعية، وهي بين بطن قف العارض وبين رملة الوركه إلى أقصى الوشوم، فهي من عويند بني خديج فالرغام فرملة الحصادة فمنفوح فالبردان فثرمدا فذات غسل فالشقراء وأشيقر. فراجعاً قصد الفروع فإلى بطن الأزرقة فإلى توضح فمارد غربهن وهو قفيف منقطع ممدود مد الحبل...).
ولعل هذا النص للهمداني أوضح نص في الدلالة على توضحنا، وغيرها من أعلام ومعالم المنطقة، فبدأ بمياه السباعة، وهو واد ينصب من جبل طويق من خشم التراب بصورة رئيسة وثنى بالبرتين، وهما البرة (حالياً) والعليا وهي الثرماني وما جاورها (حالياً)، ثم الرغام، وهو رمل عُريق البلدان (حالياً) فرملة الحصادة، وهو تصحيف الحمادة - من وجهة نظري - والمقصود بها نفيد رغبة حيث لا يوجد في المنطقة سوى هاتين الرملتين (نفود عريق البلدان ونفيد رغبة)، ثم واصل سرد أسماء أعلام المنطقة وأغلبها لا تزال تحمل الاسم نفسه، وسأحاول - بمشيئة الله - استظهار الذي لا يحمل الاسم نفسه في مقال لاحق.
ثم يقول الهمداني: فراجعاً قصد الفروع، وهي مبادئ وأعالي الأودية، ثم يقول فإلى بطن الأزرقة فإلى توضح فمارد غربهن، وهو قفيف منقطع ممدود مد الحبل. إذاً المنطقة (منطقة توضح تحوي رملة اخترنا بالدلائل أنها نفود رغبه)، وكذلك وصف توضح بأن غربها مارد قفيف منقطع ممدود مد الحبل وهذا القفيف ينطبق وصفه على الظعينة، وهي قفيف فعلاً منقطع إلى الغرب من بلدة البرة، وإلى الجنوب الغرب من بلدة رغبة، وهو اتجاه مغرب الشمس، أي أنه غربها.
وأنا أختلف مع الأستاذ سعد بن عبد الله الجنيدل - رحمه الله - الذي ذكر في كتابه بلاد العرب ص 150: (ما قاله الهمداني وياقوت في تحديد هذا الموقع ينطبق على قرادان..). وليس المقام مقام مناقشة هذا الاختيار؛ فيكفي لذلك التأمل في وصف الهمداني، ومقارنته بوصف موقع جبل قرادان المقابل من جهة الجنوب لقرية العويند.
ويقول الهمداني أيضاً صفحة 312 من كتاب صفة جزيرة العرب: (وكذلك توضح باليمامة بنهية بين رمل)، ومعنى نهية: منتهى الوادي أي مفيضه. وكل ما أسفلنا ينطبق بقوة على البلدة السفلى في رغبة التي إلى الغرب منها بينها وبين نفيد رغبة قاع إلا أني لم أتعرف على اسمه إلى الآن.
وقد قال الشاعر يحيى بن طالب الحنفي - كما أسلفنا -:
أيا أثلات القاع من بطن توضح
ولعل بطن توضح هو وادي الحصان فهو يصب في القاع المشار إليه آنفاً.
** **
- عبدالله بن عبدالرحمن الضراب