(كوبماير)
- هل أنت - يا عزيزي- ممّن يعانون فرط الإحساس؟
- هل تشكو من جلد عاطفيّ رقيق سريع العطب؟
- هل تجفل وتثور لدى كلّ عرض سلبيّ يعرض لك؟
- هل تلبس جلدًا عاطفيًّا رقيقًا ضيّقًا لا يكاد يصيبه أيّ خدش اجتماعيّ بسيط حتّى ينقلب إلى جرح يتقرّح على شكل التهاب جلديّ عاطفيّ سريع الانتشار، موبوء بجرثومة امتعاض، وحمّى غضب؟
- هل من عادتك رشّ الملح فوق الجراح، عن طريق التّفكير الدّائم فيها؟
نحن هنا إذًا يا عزيزي! وهيا بنا نساعدك!
تحصّن عاطفيًّا! كفّ عن هذه الحساسية الزّائدة لذات يدمى جلدها الرّقيق لأقلّ خدش عاطفيّ في هذه الدّنيا الّتي هي مليئة جوانب طرقاتها بأزهار الشّوك، وأشواك العوسج.
عليك بهذين الأسلوبين الأكيدين، على بساطتهما:
- خذ الأمر الّذي لا يعجبك «بالأذن الطّرشاء»
لتكن مثل أميرال البحريّة «سميدلي بتلر»، الملقّب: «بشيطان جهنّم». لقد روى الرّجل أنّه نعت بكلّ عبارة بذيئة، أو لقب رديء يمكن أن يتلفّظ بهما لسان إنسان، أو كلمة جارحة يأنف من كتابتها كاتب! هل تراه كان يشعر بالإهانة؟ هل رفّ جفن «لشيطان جهنّم العجوز هذا؟» ها هو يؤكّد لنا أن: لا... طبعًا! فلطالما قال:
«عندما أسمع أحدهم يشتمني، فإنّني لا أكترث حتّى لإدارة وجهي لكي أعلم من هو صاحب الكلام، ولا من يكون!».
«تجاهل الأمر!» هذا ما يقوله الجنرال أيزنهاور الّذي كان ضنينًا حتّى بدقيقة واحدة من عمره، يصرفها في التّفكير في النّاس الّذين لا يسيغهم.
ولا يقتضيك الأمر أبدًا أن تكون جنرال في الجيش البرّيّ، ولا ماريشال في الأسطول البحريّ، حتّى تكون قويّ الشّكيمة منيع العواطف، إنّ لك مثلًا آخر في السّيّد برنار باروخ الّذي عمل مستشارًا شخصيًّا لستّة رؤساء متعاقبين من رؤساء الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وها هو يقول: «ما من أحد يهينني، أو يغيظني وينال منّي؛ لأنّني لا أفسح له في المجال لذلك».
هكذا تضع حدًّا لفرط الانفعال، امتعاضًا وغضبًا. وقبل أن يفلت منك زمام أمرك، استرجع عبارة السيّد برنار باروخ القائلة: «ما من أحد يهينني، أو يغيظني، وينال منّي؛ لأنّني لا أفسح له في المجال لذلك».
كيف تراه يكون عدم إفساح المجال هذا؟ طبعًا إنّه يكون بكلّ بساطة، بتجاهل أيّ أمر مزعج محتمل.
- طريقة أخرى كفيلة بتجنّب فرط الانفعال غيظًا وغضبًا، تكون بعدم تكبير المسائل، وتضخيمها، ومسرحتها. لا تلق بالًا كبيرًا لسفاسف الأشياء، ولا لصغائر الأمور. لا تصنع بالونًا كبيرًا من كلّ فقاعة صابون، ولا جبلًا كؤودًا من كلّ تلّ خلديّ يطرأ عن كلّ عدوان على شخصك الكريم، سواء أكان هذا العدوان عدوانًا احتماليًّا، أو موهومًا، أو حتّى واقعيًّا موصوفًا.
ليكن حجمك كبيرًا إلى درجة تمنعك من التّردّي في الحفر الصّغيرة الضّيّقة! أمّا إذا اخترق جدار م ناعتك المعنويّة، في لحظة ضعف أو ساعة تخلّ، شيء من الاعتداء الموهوم أو الحقيقيّ، فما عليك ساعتئذ سوى اللّجوء إلى التّدبير الاحتياطيّ الثاني التّالي:
لا تكن ضيّق الصّدر بالمواقف الّتي لا تبلغ حدّ الكمال؛ حتّى لا تعيش أبد الدّهر على أعصابك مستنفرًا مستفزًّا كلّما التقيت بواحد منها عند كلّ زاوية، وفي كلّ منعطف في هذه الحياة!
فالحقيقة تعلّمنا أنّ هذه الدّنيا مليئة بالنّاس الباحثين أبدًا عن مصالحهم الذّاتيّة، ومنازعهم الخاصّة، وهم في سعيهم المحموم وراء ذلك: مشغولون أبدًا عن سواها... حتّى إنّهم ليصطدمون بك، ويطأون على أصابع قدميك، دون قصد منهم، ولا سابق إرادة... لا تكن شديد الحساسيّة معهم... لا تضع شخصك الغالي دائمًا في الوسط... كن متفهّمًا للنّاس، رحومًا لضعفهم وسقطاتهم وإخفاقاتهم. واعلم أنّ أقسى ما يكون على الإنسان الضّعيف هو حكم أخيه الضّعيف!
فالنّاس، وقد أعمتهم مشاكلهم الشّخصيّة، وشجونهم الخاصّة، هم أبعد ما يكونون من أن يتنبهوا إلى خواطرك الخاصّة الطّريّة، وأن يداروا مشاعرك المرهفة الحسّاسة.
هكذا هي الحياة ... وعليك أن تفهمها جيّدًا ... وأن تلقاها بحكمة واسعة، وقبول حسن.
لا ... لا تكن مفرطًا في الشّعور، ولا مفرطًا في ردّات فعلك تجاه أحداث الحياة... إنّ هذا لن يجديك فتيلًا.. بل إنّه قد يوردك أيضًا موارد التّهلكة!
ماركوس أوريليوس، وهو حاكم روما الغابرة، ورجل من أحكم الرّجال الّذين قذفت بهم الأرحام... كتب في دفتر يوميّاته ما يلي: «سألقى اليوم أناسًا يتمادون في الثّرثرة، ويبالغون في الكلام... هم أناس أنانيّون مستأثرون جاحدون! لكنّني لن أدهش بسبب ذلك، ولن ألقي بالًا، أو أضطرب؛ لأنّني لا أستطيع أن أتخيّل وجود هذا العالم، دون أن يكون مثل هؤلاء جزءًا منه».
لقد مرّت قرون كثيرة على هذا القول المأثور، والدّنيا لا تزال هي الدّنيا، والنّاس هم النّاس... وستلقى أنت أيضًا منهم خلقًا كثيرًا؛ لهذا عليك ألّا تكون زمّيتًا تجاه نقائصهم، ولا بالغ الحدّة والشّعور تجاه سقطاتهم، لا تفرط في ردّة فعلك معهم، فيظهر إفراطك هذا على شكل امتعاض، أو غضب، أو عدوانيّة. عليك أن تقبل الحقيقة الواقعيّة الّتي تقول: إنّ أمثال هؤلاء النّاس كانوا يدرجون على هذه الأرض منذ الأزل، وهم موجودون الآن عليها كحقيقة واقعة، شئت أم أبيت، ولسوف يستمرّون عليها ما دامت هذه الدّنيا قائمةً.
وحيث إنّ جميع المصلحين قبلك، قد أعياهم إصلاح شأن هذه الدّنيا، وقصّروا دون البلوغ بأهلها مبلغ الكمال، فإنّه من الأحرى بك ألّا تنصّب نفسك المصلح الآنيّ الأوّل لهذا العالم!
فمهلًا مهلًا... ورويدًا رويدًا يا عزيزي، لا تكن شديد الضّيق بقلّة الكمال، لا تكن مشدودًا كالوتر حيال المثالب، لا تكن شديد المبالغة في ردود أفعالك المناهضة، ومواقفك الرّافضة. طوّر في نفسك فضيلة الهدوء العميق، وفضيلة القبول بما لا يمكن تغييره ولابدّ من القبول به، واحتفظ في كلّ حال بعقل هادئ، ونفس مطمئنّة.