زكية إبراهيم الحجي
اختلفت كثير من المفاهيم ما بين القديم والحديث، لكن الحقيقة الوحيدة التي لن تتغير هي التغير السريع والمستمر في مجال العلوم وتكنولوجيا الاتصالات.. ففي وقت كانت الأرض واليد العاملة والمال هي المرتكز الرئيس في الاقتصاد..أصبحت اليوم المعرفة والإبداع والمعلومات هي أهم ركائز الاقتصاد.
يمثل اقتصاد المعرفة رافداً معرفياً واقتصادياً على صعيد الأطر الفكرية والمنهجية أو على مستوى التطبيق العملي.. ورغم حداثة المصطلح فإن كثيراً من الدراسات أشغلت نفسها خلال العقدين الماضيين لتلمس معالم هذا المصطلح الذي جاء مصاحباً أو ملازماً لكثافة التفاعلات التي أوجدتها ثورة المعلومات بكل فروعها ومجالاتها.
إذاً هناك علاقة طردية ما بين المعرفة والاقتصاد.. فعندما نقول: معرفة.. فنحن نعني جميع أوجه ومجالات الانفتاح العلمي والانفجار المعرفي الهائل الذي يطغى على عالم اليوم، وبات يشكل مورداً اقتصادياً يُحقق توافقاً كبيراً مع احتياجات المجتمعات..ويسهم بقوة في إحداث طفرة حضارية للدول.
تُعتبر المملكة العربية السعودية من أوائل الدول العربية التي سعت لوضع خطط وطنية متكاملة تهدف إلى التمكن من العلم والمعرفة؛ وذلك من خلال الاستفادة من تقنية المعلومات.. ففي عام 1990 عُقِد المؤتمر الوطني الثاني عشر للحاسب الآلي في جامعة الملك سعود، والبحوث التي تُبرز الخطط.. والتصورات المستقبلية عن الدور المتوقع للجهات العامة والخاصة الذي يُمكنها القيام به من خلال عملية التحوّل بالمملكة العربية السعودية إلى عصر المعرفة والمعلومات..والتطوير السريع للموارد البشرية السعودية لتستطيع التعامل بكل كفاءة مع تقنية المعلومات وبناء البنية الأساسية اللازمة لانطلاق الاستثمار فيه بالشكل الذي يخدم الوطن تنموياً.
بعد مرور عقدين من الزمن لانعقاد مؤتمر «التخطيط للمجتمع المعلوماتي» عام 1990 في جامعة الملك سعود وانطلاقاً من رؤية 2030 وضرورة أن تكون المملكة العربية السعودية في مصاف أقوى الدول العالمية اقتصادياً وعلمياً ومعرفياً.. وأن تأتي رسالتها منسجمة مع الأهداف التي رسمتها لتعزيز مكانتها على المستوى الإقليمي نجدها في حراك سريع وشامل.. هدفه تطبيق إستراتيجية التحوّل الوطنية الذي أطلقه صاحب السمو الملكي ولي العهد محمد بن سلمان وتناولته باستفاضة غالبية وسائل الإعلام العالمية.. والحقيقة أن المملكة العربية السعودية استطاعت أن تحقق الكثير وخلال فترة وجيزة من عمر رؤية 2030 وهذا ما نشهده على أرض الواقع. إستراتيجية التحوّل الوطني خلقت طرقاً ونظماً لكيفية الاستغلال الأمثل لموارد متنوعة منها ما هو متوفر ولم يُستغل سابقاً ومنها النادر الذي اكتشف مؤخراً أو ما هو لا يزال البحث عنه مستمراً. نمط جديد من الاقتصاد قائم على المعرفة لا يعني ذلك أن المعرفة لم تكن موجودة أو مستخدمة في النشاط الاقتصادي.. إنما الجديد هو حجم التأثير في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وفي التنمية بمختلف مجالاتها، بل إن تأثيرها يمتد إلى نمط حياة الفرد نفسه الذي أدرك أن التحوّل إلى اقتصاد المعرفة كفيل بتحقيق الآمال وإلى خلق فرص استثمارية لن يكون اقتناصها أمراً سهلاً إلا لمن كان يؤمن بالتغيير لردم الفجوة القائمة بين المعرفة والاقتصاد.