أ.د.عثمان بن صالح العامر
حديث الناس اليوم -على الأقل في مجتمعي المحلي الذي أعيش فيه- الكمأ (الفقع)، يبحثون عنه تحت الأرض في مواطنه المعروفة وأماكنه المعهودة، يخاطرون بأنفسهم من أجله، يقطعون المسافات الطويلة عندما يذكر لهم مكانه، أو يصلهم مقطع مصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأناس وهم يستخرجونه بكميات مغرية، يسألك جارك أو صديقك أو زميلك في العمل، رحت للشمال؟ دخلت الشبك؟ ثم يسترسل في حكايات شبته أو معارفه المقربين الذين دخلوا الشبك بطريقة غير نظامية ليلاً وأخذوا يبحثون عن الفقع بالكشاف اليدوي في البرد القارس، وخرجوا قبل أن تطلع الشمس وهم يترقبون خوفاً وحذراً، والنتيجة حصلوا ما يكفيهم عشاء وغداء من بكرى، وهذا - في نظر المتحدث - لا يستحق المخاطرة والسفر، هكذا يقول!!!.
هذه الحكاية وشبيهاتها التي تنتشر هذه الأيام وتتناقل في مجالسنا الخاصة، مثلها مثل المشاهد التي نراها ونسمع عنها في السوشيل ميديا، أقول هذه وتلك تثير التساؤل حول سر هذا التعلق بالبحث عن الكمأ «الفقع» مهما كان الثمن، مع أنه يمكن لهذا المجازف أن يشتريه حين يجلب إلى السوق بثمن قد يوازي سعر البنزين وصولاً للمكان الذي قصده من أجل هذه الغاية . الغريب أن أحد هؤلاء الهواة كان يتحدث لنا ليلة البارحة عن رحلة شبتهم إلى أرض الفقع، ويتحسر على عدم مقدرته على اللحاق بهم مع أنه وعدهم بالمجيء، مع أنه لا يأكل الفقع ولا يحبه أصلاً!!!.
سألت أكثر من شخص من المولعين بتتبع مواطن الفقع والبحث عنه مهما غلا الثمن وعظم التعب، لأجد جواباً عن سر هذا التعلق، وللأسف لم أجد ما هو مقنع، لكن الكل كان يقول ويردد (أجد لذة ومتعة غريبة).
هناك من ساق جملة فوائد عامة تتحقق جراء ممارسة هذه الهواية من بينها : التعود على التحمل وامتلاك مهارة الصبر، الفرح بالإنجاز، المنافسة الشريفة للحصول على كمية أكبر، المشي لمسافة طويلة دون أن تعلم أو تمل، امتحان جودة النظر وقوة التركيز لدى الإنسان، فضلاً عن الاستمتاع الذي يفوق الوصف ولذا كانت هواية الملوك والأمراء في بلادنا المباركة منذ عهد المؤسس وحتى اليوم.
أحد المغردين اقترح على هيئة الترفيه تخصيص محميات للفقع وجعل أسبوع في السنة للاستمتاع بممارسة هذه الهواية للعوائل السعودية والشباب.
مواطن آخر جعل من مزرعته مكاناً مخصصاً للفقع ودخول السيارة بمبلغ وقدره، وما زاد عن عدد من الكيلوات يأخذ عليه مبلغاً آخر من المال، وكنت أظنها مجازفة غريبة مصيرها الفشل، وإذ بها تتداول ويسوق لها في العالمين (الواقعي) و(الافتراضي) بشكل كبير، بل يتسابق الناس إليها ويحجزون لها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
هذه هي حكايتنا مع الكمأ (الفقع) هذه الأيام، ولَم يكن هذا الشيء لينال منا البحث عنه كل هذا الاهتمام والترحال لولا ما نرفل به في مملكتنا الحبيبة من نعم لا تعد ولا تحصى، خير عميم وغيث مدرار وأرض خضراء وأمن وأمان ورغد في العيش واستقرار واطمئنان ولله الحمد والمنة {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}، أدام الله علينا ما نحن فيه وزاد، وبالشكر تدوم النعم وتزيد، وإلى لقاء والسلام.