رمضان جريدي العنزي
على الميسورين المقتدرين أن يبادورا باحثين في ظلمات الليل، وخلف الأبواب الخلفية عن الأجساد المتعبة، عن المتعففين أصحاب الأفواه المحتاجة الصامتة، عن الأرامل والأيتام والمساكين الذين أضناهم التعب، وأوجعهم الألم، يتحسسون بشغف معاناتهم آمالهم متطلباتهم واحتياجاتهم، من بين الحين والحين عليهم أن يأنسوا بهم ويواسونهم، ويربتون على أكتافهم بود وحنان وابتسامة، ويتحالفون معهم بحب واتحاد مشاعر، عليهم أن يفكوا قيود معاناتهم التي تكبلهم بالهم والحاجة والوجع، عليهم أن يأخذونهم نحو بحيرات السعادة، وفراشات الفرح، ومصبات الخير، وحدائق البهجة، عليهم أن يستديروا لهؤلاء بكامل الاستدارة والأناقة، عليهم أن يعرفوا عتبات بيوتهم، والطرقات الضيقة المؤدية إليهم، ويشعلوا لأجلهم القناديل والشموع والأسرجة، عليهم أن يكونوا جديرين بهذا العمل الديني والاجتماعي والإنساني، حمالين له بكل أمانة وإخلاص وتفاني، عليهم ألا يصيبهم الوهن والكسل تجاه هؤلاء الموعوزين بكل شؤونهم وظروفهم وأحوالهم، عليهم أن يركبوا مطاياهم بلا تردد يجوبون فجوج الأرض، السهل والجبل والمنحدر، للبحث عن هؤلاء والتحري عنهم والوقوف عليهم، عليهم أن يجعلوا الأشياء في متناول أيدهم، أن ينقبوا في أحلامهم وأمنياتهم وتطلعاتهم، أن يرفعوا قواهم عن جاذبية الحزن والسقم والحاجة، أن يأخذونهم من دائرة الوهن، ويرفعوا عن أجسادهم صخور اليأس والأسى، أن يزينوا لهم المكان، ويبخروا لهم السحابة، أن ينتشلوهم من دوامة الهم والتعب، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاَ، عليهم أن يعيدوا كريات دمهم بحسب ألوانها، لتعمل بسلاسة في شرايينهم المتعبة، عليهم أن يرمموا سفنهم المنهكة، يزينوا لهم العشب والبيدر والسنبلة، وألا ينسونهم يوماَ، حتى لا يكونوا مثل ذاك المطعون بخنجرة، أو المرمي بحجرة، هؤلاء الميسورون المقتدرون حين يعملون ذلك، حتما سيشعرون حينها بلذة فارهة، وارتياح مغاير، وسعادة مطلقة، ستكبر تجارتهم وستتمدد، سيصيبهم الخير الوفير، وسينالهم الجزاء العظيم، لأنهم حرثوا حقول الخير وبذروا بذور السعادة في أرض أصحاب الحاجة، أزالوا عنهم الظلمة والعتمة، وأسكتوا في أرواحهم الصرخة، وأزالوا عن عيونهم الغبشة، ولأنهم نثروا المعاني على الألفاظ، والأعمال على الأعمال، وكان تحركهم مثل زنبقة قرمزية في رابية ربيعية خضراء، ومثل طائر أبيض يضع صدره النظيف على مبسم الزنبقة وهي هانئة بتلطيفهِ، ولأنهم بحثا عن الأبواب الخلفية، والأفواه الصامتة، وجاؤوا لهم بالسلال، والضوء إلى عتمة المكان، أزالوا الكوابيس، وأبدلوها بالأحلام الهانئة، زينوا لهم الحلم والمكان، وجاؤوا لهم بالرغيف والسكر، حتى أصبحت وجوههم ضاحكة مستبشرة، وأرواحهم مهذبة، فما خاب عملهم، ولا زادهم إلا بهاء، وأيدي بالخير مرفوعة متضرعة.