فيصل خالد الخديدي
هو ليس عنوانًا لعمل مفاهيمي، ولا اسمًا لفيلم ساخر.. ولكنه واقع استيقظ عليه فنانو القطيف برمي أرشيف تجاوز عمره العشرين عامًا من الأعمال الفنية، بين فنون تشكيلية وخط عربي وتصوير ضوئي ودروع وكتيبات معارض، في حاوية نفايات كبيرة أمام مقر نادي الفنون التابع للجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف. وأيًّا كانت الأسباب فما حصل مهين، ولا يليق بما يشهده الوطن من اهتمام بالثقافة والفنون، وما توليه الدولة من جهود لإبراز مواهب وإبداعات أبنائها, ولاسيما أن الأعمال التي وُضعت بالحاوية من الواضح أنها لم تكن تالفة أو غير صالحة للعرض بل إنَّ بعضها بحالة ممتازة ومخرجة بشكل جيد، وليست مجهولة المعلومات. وبعيدًا عن الانفعالات العاطفية وردود الأفعال الغاضبة من مثل هذا التصرف اللامسؤول فإن هذه الحادثة تعود بالعلاقة بين المثقف والفنان والمؤسسة الثقافية الحكومية أو الخاصة للمربع الأول من تنظيم طبيعة هذه العلاقة.
إنَّ ما حدث لأعمال فناني القطيف من رمي بالحاوية ربما يحدث لأعمال فنانين آخرين في مناطق مختلفة؛ وذلك لأمور عدة، منها عدم وضوح العلاقة بين الفنان والمؤسسة، وعدم وجود عقود ملزمة للطرفين في كل التعاملات، صغرت أو كبرت. كما أن غياب العمل المؤسسي عن بعض المؤسسات الثقافية جعلها عرضة للمزاجية، وعدم الاهتمام بالفعل والمنجز الثقافي والفني بشكل جاد.. فبمجرد تغيير المسؤول أو الإدارة تتغير اهتمامات المؤسسة؛ فما كان رئيسيًّا من الأنشطة عند إدارة يصبح عند التي تليها هامشيًّا ومنبوذًا. والمؤسسة الثقافية التي لا تقدِّر مرتاديها ومَن شارك في بنائها حتمًا سيأتي عليها اليوم الذي تصبح فيه مكاتب مهجورة؛ فالفنان والمثقف عمود المؤسسة الثقافية، والمشغل الحقيقي لها، التي بنيت لأجله. كما أن فكرة العمل التطوعي لا تزال قاصرة في التعاطي معها، سواء من المؤسسة أو من الفنان، وتصل إلى حد الامتهان وقلة التقدير، لا للفنان ولا لمنجزه, كما أن قلة إيمان المؤسسة بقيمة الفن والفنان ربما توصل التعامل مع منجزه إلى أكثر من الحاوية. وفي المقابل، فإن الفنان لا يُعفى من شيء من المسؤولية؛ فبمجرد انتهاء الفعالية أو المشاركة حق عليه أن يستعيد أعماله ومشاركاته، فإذا لم يكن الفنان حريصًا على أعماله فلن تكون المؤسسة أكثر حرصًا عليها.