خالد بن حمد المالك
التآخي بين أفراد المجتمع أحد النماذج الرائعة التي يتميز بها الإسلام، ومن صوره العطف والحدب على المحتاجين، وتلمّس ما يندرج ضمن هذا المفهوم، والعمل على تقديم العون، بما يخفف من وطأة المعاناة لدى من يمر بوضع يتطلب دعمه ومساندته.
* *
والترخيص لإقامة الجمعيات الخيرية، بمسمياتها المختلفة، انطلق من هذا المفهوم، وجاءت أهدافها وأنظمتها مطابقة للوضع الذي يعاني منه بعض أفراد المجتمع، لكنها بقيت محدودة الأثر في معالجتها لأحوال الناس المحتاجين.
* *
مع أن فتاوى كبار العلماء والمشايخ تسمح للجمعيات الخيرية بقبول الزكاة والصدقة والمساعدة، وتعطيها الحق والصلاحية في صرفها ضمن أوعيتها الزكوية وغيرها، إلا أنَّ تَفهُّم القادرين بقيمة الجمعيات ما زال يشوبه التردد، فأصبحت الجمعيات لا تؤدي دورًا كبيرًا، بسبب اقتصار ما يصلها من مال على مبالغ لا تساعدها على أداء دور أفضل.
* *
لدينا فقراء نعم، وفي المقابل لدينا تخمة من الأثرياء نعم، ولو تفاعل الأثرياء سواء بدعم الجمعيات الخيرية، أو بتبني مبادرات لإنشاء مدارس، ومصحات، ومساكن، ومؤسسات ذات نفع كبير للجميع وغيرها، لما أصبح لدينا محتاج واحد، ولما نقص مال الأغنياء، طالما أن ما يذهب من مالهم هو لأعمال الخير.
* *
ينادي البعض بضرورة إعادة النظر في وضع الجمعيات الخيرية، التي تجاوز الزمن والتطور والمستجدات أنظمتها العتيقة، وأنه من الضروري مراجعة أنظمتها، والبدء بهيكلتها، بما يسمح بإضافة اختصاصات جديدة لها، وفقاً للمعايير الإسلامية، دون إغفال للمستجدات التي طرأت على المجتمع.
* *
لكن اقتصار نشاط الجمعيات على توزيع الزكوات، والصدقات، ومساعدة المحتاجين بالمال، لا يشجع الأثرياء على إنابتها عنهم في توزيع هذه الأموال التي بإمكانهم أن يقوموا بها، دون الحاجة إلى أن تكون الجمعيات وسيطاً في ذلك، ولو تم التجديد في مسؤوليات الجمعيات، وابتكار أفكار جديدة، وإدخال مسؤوليات غير موجودة، لربما ساعد ذلك الأثرياء في التفاعل مع نشاطاتها.
* *
مركز الملك سلمان بالرياض - على سبيل المثال - يقدِّم عملاً كبيراً، وهو مركز غير ربحي، وعمله غير تقليدي، إذ إنه يقدِّم مفهوماً جديداً، وإضافة مميزة إلى العمل الخيري الذي تقوم به الجمعيات الأخرى، ومثله جمعية الأطفال المعوقين بتخصصها النادر، وخدماتها المميزة للأطفال ذوي الإعاقة، وهناك أفكار كثيرة يمكن أن يتبناها الموسرون كأعمال إنسانية وخيرية، تكون إضافة لما هو موجود.
* *
سؤالي: بعد الإعلان عن برنامج (سند محمد بن سلمان) مَنْ يقرع الجرس، ويأخذ من مبادرة سمو ولي العهد في العمل الخيري النوعي فرصة لمحاكاتها في تبني مبادرات أخرى تكرس خدمة المجتمع والتعاون والتآخي بين أفراده، وتساعد على ولادة أفكار ومؤسسات خيرية جديدة؟ هل هي البنوك، أم الشركات الكبرى، أم الأثرياء، أم هم جميعاً؟ أتمنى أن ننتقل من الاكتفاء بما هو موجود إلى تبني مؤسسات خيرية جديدة كما فعل الأمير محمد بتخصصات غير موجودة، وأن يكون للدولة أيضاً حصة وإسهام في دعم مشاريع خيرية كهذه بعد أن بادر سمو ولي العهد بتبني المشروع النوعي (برنامج سند محمد بن سلمان).