د. حمزة السالم
النجاح لا يمكن أن يتحقق بغير قيادة ناجحة. فمهما كانت المؤسسة مؤهلة للنجاح, فإن فشل القائد يُدركها فتفشل معه. وكذلك الفشل، فإنه لا يمكن أن يتحقق حتى ولو كانت المؤسسة غير مؤهلة للنجاح، طالما أنها وُفقت بعبقرية قائد لها يُلهمها فينقلها من الفشل إلى النجاح. ومن شواهد هذا سحب خالد بن الوليد رضي الله عنه للجيش من مؤتة، فلقبه الرسول عليه الصلاة والسلام بسيف الله المسلول.
ومن هنا تختلط على كثير من الناس مفاهيم المؤسساتية والفردية. فنصر اليرموك نُسب شرفه وفضله لخالد رضي الله عنه. وخالد بن الوليد لم يستلم قيادة الجيوش إلا ليلة اليرموك، وقد كانت جيوش المسلمين متهيئة للنصر والنجاح، من دون خالد. ولم يُجهز خالد الجيش ولم يقاتل وحده عشرات الآلاف من فرسان الأعداء، فبم ينسب النصر له؟ إنما استحق خالد نسبة النصر له بأمرين اثنين: الأول: خطته العسكرية التي حققت الاستغلال الأمثل لجيشه مع الإشراف عليها بنفسه. والثاني شجاعته التي بثت روح الشجاعة في الجيش فأصبح الجيش كلهم خالد بن الوليد شجاعةً. فهذه هي أهمية الفردية في نجاحات المجتمعات والمؤسسات.
فالعمل المؤسساتي هو أن تعمل المؤسسة وتنمو طبيعيًّا وتتطور تدريجيًّا دون الحاجة للقائد، أما القفزات التنموية والتطويرية (كاختراع الصفر والكهرباء وغيرها مما يحدث قفزات تطويرية) والنجاحات الاستثنائية (كنصر خالد في اليرموك، فقد حسم اليرموك في نهار) والتغييرات الجذرية (كقلب خالد الهزيمة إلى نصر في مؤته) فهي عمل فردي من القائد لا عمل مؤسساتي.
وتضارب الفردية والمؤسساتية وتداخلها وتشابكها مع المشاعر الإنسانية والمصالح العامة، هي خليط معقد ينتهي عادة إلى عزل القادة أو حتى قتلهم أو سجنهم. وهذه الظاهرة تتكرر كثيرًا في جميع الشعوب والثقافات عبر الأزمنة، قديمها وحديثها ومستقبلها. وهو نتيجة لغلبة نسبة تحقيق النجاح أو النصر للفرد على حساب نسبته للمؤسسة التي حققت النجاح والنصر. وهي ظاهرة معقدة. مثاله: عزل أمير المؤمنين عمر خالدًا -رضي الله عنهم أجمعين- خوفًا عليه من جرأته وشجاعته وعبقريته التي أدت به إلى بعض الأخطاء، وحرصًا من الفاروق على أن يكون النصر بالجيش المسلم لا بيد خالد، بعد تناقل الناس أن النصر بيد خالد. فخالد يموت وجيوش المسلمين باقية فلا تتخدر بخالد، فيموت نصر الإسلام بموت خالد.
فنسبة النجاح والنصر للقائد هو عُرف فطري تعارفت عليه الإنسانية، وهذا الذي يجلب الحسد والغيرة ضد القائد. وتميز القادة والعباقرة بمستوى عالٍ من صفات الذكاء والقيادة يجعلهم يأتون بهفوات وأخطاء -نابعة من فيضان سيل عبقريتهم- الذي يتخذه الحُساد والعُجاز والفشلة معبرًا إلى عقول الحكماء فيقلبونهم ضد قادة النجاح بدعوى الحرص على المؤسساتية من طغيان الفردية، وخوفا عليها من تهورات أبطال النجاح.