د. محمد بن إبراهيم الملحم
لا شك أنه سؤال محوري مهم وحاسم في شأن ما يقدم عليه كل من يريد إحداث التغيير وتحقيق التطور في العمل والأداء بحيث يلمس المجتمع نتائج ذات معنى، والتحدي الذي تفرضه الإجابة عن هذا السؤال هو بمقدار التحدي الذي وضعته المشكلات الموجودة أمام من يريد معالجتها. الأنظمة هي من أسهل ما يمكن تغييره (أنواع منها على الأقل)، أما الممارسات فهي نتاج عوامل معقدة ومتشابكة مع تراكمات زمنية لا يمكن التعامل معها بسهولة وإن كان التغيير فيها ليس مستحيلاً، ولكنما له أسسه ومدارسه وهو في الواقع جوهر ما تتحدث عنه كل نظريات التغيير المخطط Management of Planned Change والتغيير في هذا المجال هو منتج ما يحققه المصلحون الإداريون الذين ينظر إلى نتاجاتهم كقفزة تغييرية حضارية في المجتمعات سواء كانت اقتصادية أو ثقافية حضارية، فقوام كل أنشطتهم ومحورها الأساس هو الإنسان (أو ممارساته).
ولكن يعود السؤال: أيهما أولاً؟! وقبل الإجابة ينبغي أن أشير إلى نوع من الأنظمة خارج نطاق هذا السؤال: وهي الأنظمة المتعلِّقة بالجانب المالي المرتبط بالأداء: مثل زيادة (أو خفض) الرواتب، التوظيف، الترقية وما في حكم ذلك، وأسمي هذه الأنظمة بـ»الأنظمة الصلبة» Hard Systems أما الجانب المالي المرتبط بتحسين البيئة والأدوات (مبان، تجهيزات، كتب، تقنيات وما إلى ذلك) فهي تدخل ضمن نطاق سؤالنا وتندرج تحت «الأنظمة الناعمة»Soft Systems وهي أنظمة قليلة التكلفة مثل تغيير مواعيد الدوام، وتحديث المناهج، وتغيير طرق العمل، وما إلى ذلك..، ولكي نتمكن من إجابة منطقية فعلينا أن نتصوّر حالتين الأولى يتحقق فيها تغيير هذا النوع من الأنظمة (الناعمة) بينما لا يتحقق شيء في الممارسات والحالة الثانية يحدث فيها العكس تماماً، ففي الأولى يكون الإقدام على التضحية بالتغيير في الأنظمة (وله إسقاطاته طبعاً) تحت دافع أن هذا التغيير سيؤدي إلى تغيير في الممارسات للأحسن كما أنه سيساعد المنتج النهائي (الطالب في حالة التعليم) على أن يصل للهدف بسرعة وسهولة، وساكتفي بهذين الافتراضين الكبيرين لأشير إلى أنهما إذا كانا مضموني التحقق فإن الإقدام على التغيير في هذه الأنظمة وتحمل مشاق ذلك هو قرار صائب، ولكن مناقشة تأملية يسيرة لهذه الافتراضات سننتهي إلى أن ضمان التغيير في الممارسات والمنتج النهائي المفترض لا يمكن الجزم بضمان حدوثه أكثر من 50 % (وهذه مبالغة أيضاً) فقوة الممارسات الغالطة (أو المقصرة) لا يمكن الاستهانة بها ولها سيادتها في تقليل أثر أية تغييرات أخرى (ناعمة) تستهدفها هي نفسها. وأظن أن هذا يكاد يكون من المسلّمات التي يدركها الحس السليم ولن أحتاج إلى تقديم كثير من المناقشة العلمية أوالاستشهادات لتقريرها هنا.
دعونا نتأمل الضفة الأخرى للموضوع: إذا استهدف التغيير الممارسات ولم يغيِّر شيئاً في الأنظمة الناعمة فما أثر ذلك على النتائج؟ نعلم أن الممارسات أثبتت قوتها في تدمير أنظمة قائمة ومقاومتها (تلك الممارسات الخاطئة منها طبعاً) فما بالك بها (كممارسات صالحة) في ظل أنظمة ناعمة لم تتطور، هل يمكن أن تتجاوز نقص تلك الأنظمة وتحدث أثراً؟ الجواب أن هذا ممكن جداً والاحتمالية أكثر من 50 % بسهولة، فالإنسان هو أساس كل نجاح وهو من صنع الأنظمة وهو من يمكنه أن يتجاوزها، وعلى الأقل قد شهددنا في ظل الوضع القائم معلمين مبدعين مخلصين أثبتوا أن هذا ممكن جداً ولم تُضعِف الأنظمة المعيقة تقدمهم وتحقيقهم إنجازات مبهرة، بينما حدثت عدة محاولات عبر السنوات الماضية للتحرك عبر الأنظمة الناعمة لعلها تحدث أثراً ملموساً في التعليم ولكن لا تزال الشكوى مستمرة من ضعف النتائج.. ربما وجدت «منافع» لما تم إحداثه من تغيير في الأنظمة الناعمة لكن كم تأثيره على الوضع السائد في نتاجات التعليم العامة! ليس ذات قيمة بارزة كما يشهده الجميع يومياً. هل للأنظمة الصلبة Hard Systems دور في تغيير الممارسات؟ سنناقش ذلك.