د. أحمد الفراج
استطاع الرئيس ترمب أن يصرف الأنظار عن المشاكل الحقيقية التي يواجهها، وذلك عن طريق تصعيد قضية الجدار، وقد نجحت هذه الإستراتيجية، ولكني أظنه نجاحاً قصير المدى، ثم في نهاية المطاف، سيعود الديمقراطيون لما يهمهم أكثر، أي التصدي لترمب، فهم استطاعوا الفوز بأغلبية مجلس النواب، ولن يستكينوا حتى يحققوا ما يريدون، أي ملاحقة ترمب حول سجله الضريبي، وترقب تقرير المحقق الخاص، روبرت مولر، على أمل أن يكون فيه ما يدين الرئيس، وهو أمر متوقّع، وقد يفضي إلى بدء إجراءات العزل، وإن كان عزلاً غير نهائي، فالكلمة النهائية في مسألة عزل الرئيس تتم في مجلس الشيوخ، الذي لا يزال يسيطر عليه الجمهوريون، وستكون متابعة المعارك القادمة أمراً في غاية الإثارة والتشويق!
كل شيء وارد في قاموس ترمب، وهو يصر على مجابهة خصومه مهما كلَّف الأمر، ولنفترض جدلاً أن الديمقراطيين حققوا له ما يريد، ووافقوا على ميزانية بناء الجدار، فهل سيستسلم لهم، ويتيح لهم الفرصة للتفرّغ له وملاحقته، أم سيستمر في تصعيد قضايا أخرى، من أجل أن يقطع عليهم الطريق، ومن يعرف شخصية ترمب النرجسية والعنيدة، التي تعشق التحدي، بل وتسعى له، يدرك أنه سيتبع الخيار الثاني، ويستمر في التصعيد، وما يخيف المراقبين هو أنه مستعد لعمل أي شيء، في سبيل مواصلة معاركه، فهو من النوع الذي لا يؤمن بالهزيمة، وهذا كان ديدنه، منذ بداية عمله في عالم المال والأعمال، وعلينا أن نأخذ كل الاحتمالات بجدية، فقد تكون مغامرته القادمة في غاية الخطورة!
يتخوّف كثير من المعلّقين من أن يصدر تقرير المحقق الخاص، روبرت مولر، في غير صالح ترمب، وأن يزعجه مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية، بل وحتى بعض الجمهوريين، وبالتالي قد يهرب من كل ذلك عن طريق إشعال حرب في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً ضد إيران، ومع استبعاد هذا الاحتمال حتى وقت قريب، إلا أن رحيل وزير الدفاع، الجنرال جيمس ماتيس، قد يجعل الأمر أقل صعوبة، فالجنرال يؤمن بأن إيران تشكِّل خطراً على الأمن القومي الأمريكي، ولكنه يرى مجابهتها بكل السبل، عدا الحرب، ولئن كنت أعتقد أن ترمب سيستمر في التصعيد، حتى لو تم حل قضية بناء الجدار، إلا أن أمر إشعال حرب في منطقة ملتهبة لن يكون قراراً سهلاً، فالمؤسسة الرسمية، أو الدولة العميقة، لا يمكن أن تسمح له بالمجازفة في حرب، فقط لأنه يريد أن يستخدم ذلك، كذريعة للهروب من الضغوط التي تواجهه، وما علينا، والحالة هذه، إلا المتابعة والترقب والحذر!