مها محمد الشريف
عندما استنكر العالم وصول الإرهاب إلى أوروبا رفض العقل هذا التصور واستمر في التقصي عنه، ومتابعة ما ينقل من أخبار عبر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء العالمية، وبالقدر نفسه تابعت الدول وجهة الإرهاب الجديدة والمفاجآت التي لم يتوقعها، ولكن بعض الأحياء المكتظة بالمتطرفين والعائدين من الحرب السورية من سكان حي مولنبيك في بروكسل، ارتبطت أسماء منهم بمدبري ومنفذي هجمات باريس وبعضهم يحمل الجنسية البلجيكية، وكثافة التدابير الأمنية التي تشبه الإجراءات التي اتخذتها فرنسا عقب الهجمات التي وقعت بها عام 2015.
واليوم فرنسا في مواجهة من نوع آخر أشبه بالربيع جسدته أزمة السترات الصفراء تحت ضغط كبير بسبب غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الطاقة منذ شهرين من التظاهرات وقطع الطرقات احتجاجاً على سياسة حكومتهم المالية والضريبية، وبالتالي تزعزعت ثقة الناس بالرئيس ماكرون الذي أحاطهم بسياج من الشك، رغم محاولاته العديدة لسماع مطالب الشعب والعمل على تقريب وجهات النظر.
وهكذا، نشط المتظاهرون في شوارع باريس وأثاروا كثيرًا من الشغب والعنف، في ذات الوقت أظهر ماكرون الاهتمام والعمل على احتواء الأزمة وقدم رسالة إلى الفرنسيين بثتها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. لإعادة العافية للسياسة في محاولة حملت معها رسالة موجهة للشعب من أربعة محاور كبرى هي القدرة الشرائية والضرائب والديموقراطية والبيئة، وهي ضمن هذا المناخ العام وتعتبر إنتاجاً مركزياً في حد ذاته، ومن الأمور الحيوية التي تداولها آلاف الفرنسيين من الطبقات الشعبية والوسطى.
إنه يتخذ شكلا مكررا من القرارات والوعود باسم الحكومة لا تنفع ولا تفيد إذا طُبقت آجلاً على الثورة الاجتماعية المتعارضة مع الحياة السياسية، وقد أشبع نقدًا لأنه يجهد نفسه في الإفصاح عن ماهيته، لكن الرئيس سيقدم ثلاثين مسألة، منها: إلغاء الضريبة على الثروة، وعلاقات مماثلة تبين كيف يحيل الإصلاحات الهامة من جديد للأذهان مثل «استفتاء المبادرة المواطنيّة». لكنه من غير الوارد المساس بأي شكل من الأشكال بحق الإجهاض وعقوبة الإعدام وزواج المثليين.
لا شك أنه يهيئ الميادين لخطاب يفترض ضمنيًّا لصالح الشعب وسيكلف وزيرين هما وزيرة الانتقال البيئي إيمانويل واغون ووزير السلطات المحلية سيباستيان لوكورنو، الإشراف على هذا النقاش الذي يتولى أعضاء المجالس المحلية تنظيمه إلى جانب 600 رئيس بلدية ومسؤول منتخب.
إن سمات مثل هذه السياسة موظفة لخدمة شعوبها وتؤمن بدولها. بينما أنظمة عربية تعتبر دولها مزارع لهم فدمروها عوضًا عن تسليمها للشعب وجعلوا أنهارها دماء جارية لا تتوقف، وهجروا وقتلوا شعوبهم من أجل السلطة العمياء، وما حصده الشعب السوري والليبي واليمني من بؤس وضياع وفوضى مثال حي لا ينفك المؤرخ يعيد صياغته على مر التاريخ.