د. محمد بن يحيى الفال
لم يكن مُستغرباً على خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة ورئيس هيئة الصحفيين السعوديين مقدرته بأن يحرك المياه الراكدة حول الإشكاليات التي تواجه الإعلام بالمملكة وذلك بمقالين مهمين عن الإعلام السعودي نُشرا في الآونة الأخيرة، وتطرق في المقالة الأولى للمشاكل المستعصية التي تواجهها الصحافة السعودية الورقية وبينما أفرد مقالته الأخيرة عن تمنياته في أن ينجح وزير الإعلام الجديد تركي الشبانة بما عجز عنه غيره من الوزراء الذين توالوا على حقيبة الإعلام. تكمن مقدرة المالك على وضع النقاط على الحروف فيما يخص المشاكل التي تواجه الإعلام السعودي الرسمي والخاص كونه من القلائل الذين عاصروا الإعلام السعودي وتطوراته منذ عقود خلت وبتجربة متراكمة قل نظيرها ولينطبق عليه المثل العربي الشهير «اسأل مجرب ولا تسال طبيب».
من نافلة القول إن وسائل الإعلام السعودية الرسمية والمتمثلة بالمرئي والمسموع منها والخاص منها والمتمثل بالصحافة الورقية استطاعت ولردح من الزمن استمر لعقود طويلة بأن تكون شريكاً حقيقياً للدولة في جهودها التنموية وتقوية الانتماء الوطني، وهي جهود قدرتها الدولة وثمنتها بدعم سخي وغير محدود لكل من الإذاعة والتلفزيون التابعتين للدولة أو من دعم سخي شمل كذلك كافة المؤسسات الصحفية المملوكة لأفراد في بدايات نشرها الأولى ومن ثم بعد تحولها لمؤسسات صحفية. ولعل القاسم المشترك الذي واجهته كل وسائل الإعلام السعودية بكل تصنيفاتها بأنها جميعاً وبلا استثناء تثاوبت ولم تكن مستعدة للتحولات في عالم الاتصالات والتي بدأت بوادرها تلوح في الأفق وبشكل جلي لا لبس فيه مع بداية الألفية الثانية. ولعل المرء لا يجافي الحقيقة بالقول إن هناك قواسم مشتركة كانت من وراء تأخر أداء الإعلام السعودي والذي ومع قول ذلك يزخر بالكفاءات المحترفة والقادرة على المنافسة، وهذه القواسم التي ساهمت في ضعف أداء الإعلام السعودي هي سوء استخدام الموارد المالية والبشرية المتاحة، عدم وضوح الرؤية وغياب التخطيط وغياب روح الإبداع والابتكار. ولو استطعنا أن نسقط القواسم المشتركة لضعف أداء الإعلام السعودي الرسمي والخاص لكان بالاستطاعة الخروج بحلول أو رؤى على أقل تقدير لكيفية تجاوز المعضلات التي تواجه تطور هذا الإعلام والذي لا تنقصه الموارد المالية الهامة والضرورية لتطويره. التلفزيون السعودي على سبيل المثال كان أداؤه في السابق أكثراً تطوراً مما هو الحال الذي هو عليه حالياً، وقد نرى حقيقة ذلك فيما يتم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي من بث لمقاطع تلفزيونية قديمة بثت على شاشاته مما قد يمكن أن نطلق عليه بحالة جماعية من الحنيين للماضي «Collective Nostalgia». في العشر سنوات التي خلت يُقال إنه تم صرف ملايين الريالات من ميزانية التلفزيون على بندين استنفذا جُل هذه الميزانية، الأول كان لمشروع تغير وشخصية وشعارات التلفزيون والتي خصص لها ميزانية ضخمة بينما خصص البند الثاني لشراء مسلسلات تلفزيونية غير حصرية للتلفزيون السعودي وبميزانيات ضخمة لممثلين خبت وانطفأت شهرتهم، مع أنه كان من الأهمية بمكان تشجيع الإنتاج المحلي والذي يزخر بفنانين محترفين يمثلون بيئة وثقافة المملكة، أو على أقل تقدير كان بالإمكان إعادة ما كان في السابق من مشاركة لمحطات التفزيون السعودي لإنتاج أعمال دينية وفنية وثقافية، والجدير ذكره هنا بأن هناك محطات للتلفزيون السعودي مجهزة باستديوهات على أحدث طراز عالمي وقادرة على البدء فوراً في زيادة المنتوج الرقمي الإعلامي وهو من الأمور الذي أشارت إليها إحدى إستراتيجيات الوزارة لتحقيق رؤية 2030، وهذه المحطات موجودة في كل من المدينة المنورة، جدة، مكة المكرمة، أبها، القصيم والدمام. كذلك فإنه من الأهمية الأخذ بعين الاعتبار دراسة إمكانية بث قناة للجاليات عوضاً عن القناة الثانية والتي توقفت عن البث منذ فترة، فقناة الجاليات سوف تكون بمثابة قوة ناعمة للمملكة ويستفاد منها كذلك في موسم الحج والعمرة وبلغات الجاليات الأكثر تواجداً في المملكة، فمن غير المعقول بأن هناك أكثر من عشرة ملايين غير سعوديين الذين يقطنون المملكة وعشرات مثلهم يزورونها سنوياً للحج والعمرة مع غياب تام لأية وسيلة إعلامية بنكهة سعودية للتواصل معهم لتصحيح مفاهيمهم الخاطئة بكل أشكالها.
الإذاعة السعودية الذراع المسموع من الإعلام السعودي فالحديث عنها ذو شجون، ولعل أكثر هذا الشجن مرده بأنها يُصرف عليها بميزانية لا تساوي مقدار معشار ما يصرف على التلفزيون ومع ذلك فهي تحصد جوائز سنوية في العديد من المهرجانات العربية وتقدم برامج مميزة من إذاعاتها الأربع الأساسية المتمثلة في البرنامج العام من الرياض، إذاعة جدة، إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة وإذاعة القرآن الكريم من الرياض. العاملين في الإذاعة يحتاجون لتكريم وتقدير لمجهوداتهم وعملهم الدؤوب والاحترافي من وراء الميكرفون ويمكن نقل خبرات العديد منهم للعمل في التلفزيون، ولعل ما ينقص تطوير العمل الإذاعي هو أهمية زيادة عمل محطات الأف. أم العاملة في المملكة وذلك من خلال تخصيص عدد من محطات الأف.أم»FM» لمناطق المملكة الإدارية الثلاثة عشر، ولعل الجدير ذكره هنا هو تجربة إمارة دبي بهذا الخصوص والذي يلاحظ كل من يُحل بها العدد الهائل من محطات الأف.أم التي تبث في أُثير المدينة والتي تذكر القادم لدبي بتجربة الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الخصوص حيث تنتشر الآلاف من محطات الأف.أم على طول وعرض الأراضي الأمريكية.
الإعلام الخاص والمتمثل تحديداً في الصحافة الورقية أصابه كم لا يحصي من المصاعب والتحديات والتي هي لا تقتصر على الصحافة الورقية في المملكة بل أضحت معضلة عالمية عانت منها حتى أكثر الصحف العالمية انتشاراً. حل هذه المعضلة المستعصية لن يكون بالأمر السهل أو الذي سوف تظهر نتائج إيجابية له بين ليلة وضحاها، ولكن مما يدعو للتفاؤل فإن الصحف اليومية الصادرة في المملكة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة مما يجعل إمكانية حل معضلاتها أمر ممكن تحقيقه، وذلك من خلال التواصل مع هذه الصحف لإيجاد الحلول المناسبة لمساعدتها في تجاوز محنتها ومع الأخذ بالاعتبار تجارب الصحف في شتى مختلف بقاع العالم وكيف استطاعت الحد من خسائرها أو تجاوزتها.
قطاع الإعلام الخارجي من القطاعات الهامة والحساسة لأي دولة في العالم خصوصاً مع الكم الهائل من الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي المعادية والقادرة على تضليل الرأي العام المحلي والدولي في العديد من القضايا. فالآلية القديمة التي يعمل بها الإعلام الخارجي تجاوزها الزمن بل في الحقيقة لم تكن موجهة بالطريقة الصحيحة منذ بداياتها الأولى، فاستقبال الصحفيين وإعداد برامج لهم لا يمكن اعتباره عملاً إعلامياً حقيقياً، فهو في الحقيقة لا يتعدى القيام بعمل لوجستي لمساعدة هؤلاء الصحفيين لأداء مهامهم وتغطياتهم عن المملكة والتي تكون في الغالب سلبية انطلاقا بأن المنهجية التحريرية لوسائل الإعلام الغربية تنطلق من قصص الإثارة والغرابة التي يتم إعدادها بشكل تشويقي يثير خيال الرأي العام الغربي، وهؤلاء الإعلاميون الغربيون ليس من اهتماماتهم عند تغطية المملكة التطورات الإيجابية التي تحدث وهي المهمة التي أوكلت الدولة مهمتها لوزارة الإعلام والتي بدورها خصصت وكالتها للإعلام الخارجي لتنفيذ هذه المهمة. وفي هذا الاتجاه فإن زمن توزيع الكتب والمنشورات عن التطور والنهضة العمرانية وكذلك فتح مكاتب إعلامية خارجية بميزانيات ضخمة قد ولى وأضحى غير مجدي لتسويق صورة إيجابية للآخر المختلف، عليه فلابد من آليات جديدة في هذا المجال والمملكة تزخر بكم هائل لا يعد ولا يحصى من القصص التي يمكن أن تصب في مصلحة تعريف الآخر ببلادنا وكما صرح صحفي أمريكي مشهور بإحدى المناسبات بقوله إن المملكة تحتاج للآليات المناسبة لتعريف العالم بها وبأن لديها الكثير والكثير من القصص التي يتشوق العالم لسماعها. ولعل ما تجود به الذاكرة الآنية في هذا المجال هو حتمية تطوير صناعة للبرامج الوثائقية عن المملكة وتطوير صناعة سعودية للسينما. وفيما يخص الجانب الوثائقي لصورة المملكة فإن مكتبة التلفزيون تعد مخزناُ مأهولاً لم يُستفاد منه بالشكل الصحيح لإنتاج كم هائل من البرامج الوثائقية عن المملكة ودورها الريادي في العالم «Documentation Programs» وذلك خصوصاً بعد أرشفة مواد المكتبة إلكترونيا بمشروع كلف مئات الملايين من الريالات.
البدء في صناعة سينمائية سعودية سيكون له بالغ الأثر في التعريف بالمملكة وثقافتها للعالم الخارجي، ولعل ما يجعل هذا الأمر قابل للتطبيق هو أن الساحة السينمائية السعودية تتوفر على عدد كبير من المهتمين بصناعة السينما من الجنسين والذين حصل بعضهم على جوائز دولية.
هناك نقطتين أخيرتين تتعلق الأولى بأهمية وضع آليات للتنسيق بين الهيئات الإعلامية العاملة تحت مظلة الوزارة وهي كل من هيئة وكالة الأنباء السعودية وهيئة الإذاعة والتلفزيون والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع ومع وضع آليات حازمة لمراجعة آليات عملها ومراجعة دقيقة لمصروفاتها. النقطة الثانية تتعلق بالوفود الإعلامية خلال الزيارات الملكية فهو أمر يحتاج لعملية تطوير فيلاحظ أنها مقتصرة على قائمة متكررة في كل رحلة ومنهم من لا علاقة له بالعمل الإعلامي بادئ القول، وهو أمر يحتاج بأن يوضع حداً له وتطعيم هذه الوفود بنسبة من الصحفيين المنتمين لهيئة الصحفيين السعوديين والذي يصب في تشجيع الصحفيين المنتسبين للهيئة والعاملين بها.
أخيراً هناك محورين في غاية الأهمية يجب النظر إليهما بجدية ولتكون النهايات ناجحة فلا بد أن تكون كذلك بداياتها، وعليه فإن إعادة تشكيل هيكلة الوزارة ستصب نتيجته في وضوح مهام أعمال الوزارة وجعلها عملياً الذراع الإعلامي لتحقيق رؤية المملكة 2030 وانفصال الثقافة عن الإعلام يُساند ضرورة إعادة هيكلة الوزارة. المحور الآخر فإنه من الأهمية بمكان النظر إلى العمل الإعلامي كصناعة ليتسنى له النجاح، وكما هو الحال في كل صناعة فإن النجاح لا يعني التثاؤب بل المزيد من العطاء والعمل والبذل للاستمرارية في النجاح. كل الدعوات بالتوفيق والنجاح لمعالي وزير الإعلام الأستاذ تركي الشبانة، فالمهمة صعبة ولكن ليست مستحيلة.