د.عبدالعزيز الجار الله
تحدث رئيس الوزراء والخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم للقناة الروسية قبل أيام وكأنه يجتر الماضي ويحاول استعادته تعسفًا لا طواعية، جاء حواره متأخرًا لعقود لأنه ما زال يعيش حبيس ذلك الزمن فترة عمله السياسي وزيرًا للخارجية في أوائل التسعينات الميلادية بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي، فاللغة والثقافة وحتى المصطلحات الإعلامية تعود إلى أكثر من ربع قرن، والواقع الحالي قد تغير على مرحلة التسعينات الميلادية التي شهدت فيها قطر تطورات كبيرة أبرزها:
- انقلاب الأمير حمد بن خليفة عام 1995 على والده الأمير خليفة.
- انطلاقة قناة الجزيرة 96.
- تحرير إمريكا للكويت عام 91.
- وآخرها ثورات الربيع العربي إرهاصات الربيع عام 2003 احتلال العراق.
يقابله واقع اليوم السياسي والتقني والثقافي، هذه المرحلة الجديدة التي تنسب إلى عشرينيات هذا القرن بكل ما تحمله من تشكلات وتغيرات في السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة المعرفية، لذا نجد الشيخ حمد بن جاسم يتحدث بأسلوب التقادم والذاكرة البعيدة، وكأنه عراب المرحلة ينثر نصائحه لجيل سياسي معاصر قد تجاوز تلك الثقافة السياسية التي تعود للتسعينات حين كان يدير حركات انقلاب 95 ويزرع قناة الجزيرة باعتباره الفتح الإعلامي الذي سيسقط جميع الحكومات العربية.
قطر خسرت معظم الأوراق التي يقال إنها كسبتها بعد انقلاب 95 والتي استمرت بالخبث والخداع من الانقلاب حتى عام 2014 بداية الإجراءات الدبلوماسية والسياسية ضد قطر ثم مقاطعة الدول الرباعية وتبعتها دول أخر بقطع العلاقات منتصف عام 2017 م مع قطر، وهذا ما جعل الوزير حمد بن جاسم يتحدث ويخرج من صمته الذي يقول إنه أكثر الحوارات صراحة، لكنه حديث المستجدي بثوب الناصح بعد أن اتخذت حكومته القرار الخاطئ واستعانت بإيران وتركيا ضد جيرانها من الدول الخليجية والعربية بدلاً من التفكير في تصحيح أخطائها التي ارتكبتها في الربيع العربي وقبل ذلك في بداية الألفين عندما كانت تعتريها نشوة التخريب بعد سقوط بغداد 2003م.
كما أنها - أي قطر - استفحلت ظلمًا وعدوانًا ضد السعودية ووقفت إلى جانب أنقرة وطهران في قضية خاشقجي 2018 وقطعت كل جسورها في المصالحة مع السعودية، واليوم يأتي عراب وداهية قطر كما يوصف في السياسة والاقتصاد القطري بعد أن خسرت حكومته السياسة والاقتصاد والمجتمع المحلي والخليجي ليحاول عودة ومد الجسور بالاستجداء والنصح وشرح الموقف، وهو يعلم أن قطار السعودية الجديدة قد غادر محطات الانتظار، وأن هذا القطر لا يعود إلى الخلف، وأن الزمن ليس زمن الوزير حمد والمرحلة ليست مرحلته، وأن السعودية الجديدة وهذا الجيل من السياسيين يتحدثون بلغة ليست اللغة التي كان يتقنها أو يتحدث بها.